ولمّا حكى عنهم هذا المذهب الباطل ذكر في وعيدهم أشياء :
أولها : أن هؤلاء الكفار لو ملكوا كل ما في الأرض من الأمور (١) وملكوا مثله معه جعلوا الكل فدية لأنفسهم من العذاب الشديد.
وثانيها : قوله : (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) أي ظهرت لهم أنواع من العذاب(٢) لم يكن في حسابهم ، وهذا كقوله ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ في صفة الثواب في الجنة : «فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» فكذلك حصل في العقاب مثله وهو قوله: (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ)(٣) وقال مقاتل : ظهر لهم حين بعثوا ما لم يحتسبوا في الدنيا أنه نازل بهم في الآخرة. وقال السدي : ظنوا أن أعمالهم حسنات فبدت لهم سيئات والمعنى أنهم كانوا يتقربون إلى الله بعبادة الأصنام فلما عوقبوا عليها بدا لهم من الله ما لم يحتسبوا.
وثالثها : قوله تعالى : (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) أي مساوىء أعمالهم من الشرك وظلم أولياء الله (٤)(وَحاقَ بِهِمْ) أي أحاط بهم من جميع الجوانب (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) فنبه تعالى بهذه الوجوه على عظم عقابهم (٥).
قوله : (سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) يجوز أن يكون «ما» مصدرية أي سيئات كسبهم أو بمعنى الذي أي سيئات أعمالهم التي اكتسبوها (٦).
قوله : (فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ...) الآية. وهذه حكاية طريقة أخرى من طرائقهم الفاسدة وهي أنهم عند الوقوع في الضر الذي هو الفقر والمرض يفزعون إلى الله تعالى ويرون أن دفع ذلك البلاء لا يكون إلا منه ، ثم إنه تعالى إذا خوّله أعطاه نعمة يقول : إنما أوتيته على علم أي علم من الله أني أهل له.
وقيل : إن كان ذلك سعادة (٧) في الحال أو عافية في النفس يقول إنما حصل له ذلك بجدّه واجتهاده ، وإن كان مالا يقول : إنما أوتيته بكسبي وإن كان صحة قال : إنما حصل بسبب العلاج الفلاني ، وهذا تناقض عظيم ، لأنه لما كان عاجزا محتاجا أضاف الكل إلى الله وفي حال السلامة والصحة قطعه من الله وأسنده إلى كسب نفسه وهذا تناقض قبيح (٨).
__________________
(١) في الرازي : من الأموال.
(٢) وفيه : العقاب.
(٣) انظر الرازي ٢٦ / ٢٨٧.
(٤) نقله البغوي والخازن في تفسيريهما اللباب ومعالم التنزيل.
(٥) الرازي السابق. والحيق ما حاق بالإنسان من مكر أو سوء عمل يعمله فينزل ذلك به. اللسان : «ح ي ق» ١٠٧٢ ومجاز القرآن ٢ / ١٩٠.
(٦) هو معنى كلام الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٠١ قال أي سيئات أعمالهم التي كسبوها أو سيئات كسبهم حين تعرض صحائفهم. وانظر : الدر المصون ٤ / ٦٥٦.
(٧) في الرازي سعة.
(٨) مع تصرف من المؤلف في عبارة الرازي ٢٦ / ٢٨٧ ، ٢٨٨. والتّخويل مختص بالتفضل يقال : خولني ـ