قوله : (إِنَّما أُوتِيتُهُ) يجوز أن تكون (ما) مهيئة زائدة على نحو : إنما قام زيد ، وأن تكون موصولة ، والضمير عائد عليها من : «أوتيته» أي إن الذي أوتيته على علم مني ، أو على علم من الله في أني (١) أستحق ذلك.
قوله : (بَلْ هِيَ) الضمير للنعمة ذكرها أولا في قوله : (إِنَّما أُوتِيتُهُ) لأنها بمعنى الإنعام ، وقيل : تقديره «شيئا». وأنّث هنا اعتبارا بلفظها ، وقيل : بل الحالة أو الإتيانة (٢) ، وإنما عظمت هذه الجملة وهي قوله : (فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ) بالفاء والتي في أول السورة بالواو لأن هذه مسببة عن قوله: (وَإِذا ذُكِرَ) أي يشمئزون من ذكر الله ويستبشرون بذكر آلهتهم فإذا مس أحدهم بخلاف الأولى حيث لا تسبب فيها ، فجيء بالواو التي لمطلق العطف وعلى هذا فما بين السبب والمسبب جمل اعتراضية. قال معناه الزمخشري (٣).
واستبعده أبو حيان من حيث إن أبا عليّ يمنع الاعتراض بجملتين فكيف بهذه الجمل الكثيرة؟(٤).
ثم قال : «والذي يظهر في الربط أنه لما قال : (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ...) الآية كان ذلك إشعارا بما ينال الظالمين من شدة العذاب وأنه يظهر لهم القيامة من العذاب (٥) أتبع ذلك بما يدل على ظلمه وبغيه إذ كان إذا مسه ضر دعا الله فإذا أحسن إليه لم ينسب ذلك إليه» (٦). وقال ابن الخطيب : إن السبب في عطف هذه الآية بالفاء أنه تعالى حكى عنهم قبل هذه الآية أنهم يشمئزّون من سماع التوحيد ، ويستبشرون بسماع ذكر الشركاء ، ثم ذكر «بفاء» التعقيب أنهم إذا وقعوا (٧) في الضرر والبلاء التجأوا (٨) إلى الله وحده ، فكان الفعل الأول مناقضا للفعل الثاني ، فذكر بفاء التّعقيب ليدل به على أنهم واقعون في المناقضة الصريحة في الحال وأنه ليس بين الأول والثاني فاصل (٩) مع أن كل واحد منهما مناقض للثاني ، فهذا فائدة ذكر فاء التعقيب ههنا وأما الآية الأولى فليس المقصود منها بيان وقوعهم في التناقض في الحال فلا جرم ذكره تعالى بحرف الواو لا بحرف الفاء (١٠).
__________________
ـ إذا أعطاك على غير جزاء الكشاف ٣ / ٤٠١ ، ٤٠٢ ومعاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٥٧.
(١) في الدر المصون : فيّ أي أستحق ذلك. وهذان الوجهان قال بهما الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٠٢ والسمين في الدر ٤ / ٦٥٦. واختار أبو حيان الوجه الأول قال : «والظاهر أن (ما) في أنها كافة مهيئة لدخول أن على الجملة الفعلية» البحر ٧ / ٤٣٣.
(٢) اسم مرة من غير ثلاثي وانظر هذه الأقوال في المراجع السوابق.
(٣) في الكشاف المرجع السابق وذكره أبو حيان وعقب عليه كما سيأتي كما ذكره صاحب الدر المصون ٤ / ٦٥٦ وهو ما ذكره المؤلف أعلى.
(٤) قال أبو حيان معقبا على هذا العطف وهو ملتقط أكثره من كلام الزمخشري وهو متكلف.
(٥) في البحر بعده «ما لم يكن في حسبانهم».
(٦) البحر المحيط ٧ / ٤٣٣.
(٧) في الرازي : وقعوا في الضرّ بدل الضرر.
(٨) وفيه : والتجأو بالواو.
(٩) في أ : فاصلة.
(١٠) مع تصرف بسيط في مقولته تلك انظر الفخر الرازي ٢٦ / ٢٨٨.