إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣) وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (٥٤) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٥٥) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (٥٦) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (٥٩) وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (٦٠) وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(٦١)
قوله (تعالى) (١) : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ...) الآية لما ذكر الوعيد أردفه بشرح كمال رحمته وفضله ، قيل : في هذه الآية أنواع من المعاني والبينات حسنة منها إقباله عليهم ونداؤهم ومنها إضافتهم إلى الله إضافة تشريف ومنها الالتفات من التكلم إلى الخطاب (٢) ، في قوله : (مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) ومنها إضافة الرحمة لأجل أسمائه الحسنى ، ومنها إعادة الظاهر بلفظه في قوله : «إنّ الله ، ومنها : إبراز الجملة من قوله (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) مؤكدة ب «إنّ» ، وبالفصل ، وبإعادة الصّفتين اللتين تضمنتهما الآية السابقة (٣).
فصل
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن ناسا من أهل الشرك كانوا قتلوا وأكثروا فأتوا النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وقالوا (٤) : إن الذي تدعو إليه لحسن إن كان لما عملنا كفارة فنزلت هذه الآية ، وروى عطاء بن رباح عن ابن عباس أنها نزلت في وحشيّ (٥) قاتل حمزة حين بعث إليه النبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يدعوه إلى الإسلام فأرسل إليه كيف تدعوني إلى دينك وأنت تزعم أنه من قتل أو أشرك أو زنا (يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [الفرقان : ٦٨ و ٦٩] وأنا قد فعلت ذلك كله فأنزل الله : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً) [الفرقان :
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) في ب والسمين والبحر وهو الأصح : الغيبة وليس بالخطاب.
(٣) وانظر هذا كله بالمعنى من بحر أبي حيان ٧ / ٤٣٤ وباللفظ من الدر المصون ٤ / ٦٥٧.
(٤) في ب : وقال بالإفراد.
(٥) هو وحشيّ بن حرب ويكنى أبا وسمة ، وكان من سودان مكة عبدا لجبير بن مطعم قتل حمزة وأتى النبي مسلما وهو أول من حد بالشام في الخمر. المعارف لابن قتيبة ٣٣٠.