٧٠] فقال وحشيّ : هذا شرط شديد لعلّي لا أقدر عليه فهل غير ذلك فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ١١٦] فقال وحشي : أراني بعد في شبهة فلا أدري أيغفر لي أم لا فأنزل الله تعالى : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) قال وحشي : نعم هذا فجاء وأسلم فقال المسلمون : هذا له خاصة أم للمسلمين عامة؟ قال : بل للمسلمين عامة.
وروي عن ابن عمر قال : نزلت هذه الآية في عياش بن (١) أبي ربيعة والوليد بن الوليد ونفر من المسلمين كانوا قد أسلموا ثم فتنوا وعذبوا فافتتنوا وكنا نقول لا يقبل الله من هؤلاء صرفا ولا عدلا أبدا (قوم) (٢) قد أسلموا ثم تركوا دينهم لعذاب عذبوا فيه ، فأنزل الله هذه الآيات فكتبها عمر بن الخطاب بيده ثم بعث بها إلى عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد وإلى أولئك النفر فأسلموا وهاجروا. واعلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (٣).
فصل
دلت هذه الآية على أنه تعالى يعفو عن الكبائر لأن عرف القرآن جار بتخصيص اسم العباد بالمؤمنين قال تعالى : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) [الفرقان : ٦٣] وقال : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) [الإنسان : ٦] وإذا كان لفظ العبد مذكورا في معرض التعظيم وجب أن لا يقع إلا على المؤمنين وإذا ثبت هذا ظهر أن قوله : (يا عِبادِيَ) مختص بالمؤمنين ، ولأن المؤمن هو الذي يعترف بكونه عبد الله وأما المشركون فإنهم يسمون أنفسهم بعبد اللات وعبد العزّى (وعبد (٤) المسيح). وإذا ثبت ذلك فقوله تعالى : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) عام في جميع المسرفين ، ثم قال : (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) وهذا يقتضي كونه غافرا لجميع الذنوب الصادرة عن المؤمنين وهو المطلوب.
فإن قيل : هذه الآية لا يمكن إجراؤها على ظاهرها وإلا لزم القطع بكون الذنوب مغفورة قطعا وأنتم لا تقولون به فسقط الاستدلال ، وأيضا فإنه تعالى قال عقيب هذه الآية (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ...) الآية ؛ ولو كان المراد من الآية أنه تعالى يغفر الذنوب قطعا لما أمر عقيبه بالتوبة ، ولما خوفهم بنزول العذاب عليهم من حيث لا يشعرون وأيضا قال : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ ...) الآية ؛ وأيضا لو كان المراد ما دل عليه ظاهر الآية لكان ذلك إغراء بالمعاصي
__________________
(١) عمرو بن المغيرة المخزومي هاجر إلى الحبشة له أحاديث وعنه أنس وعبد الرحمن بن سابط قتل يوم اليرموك أو اليمامة. وانظر : الخلاصة ٣٠٠.
(٢) زيادة من البغوي. وانظر : البغوي والخازن ٦ / ٧٩ و ٨٠ والقرطبي ١٥ / ٢٦٨ و ٢٦٩ والكشاف ٣ / ٤٠٣.
(٣) البغوي والمراجع السابقة.
(٤) ما بين القوسين سقط من ب.