والثاني : أنها موصوله (١) وهذا هو الظاهر على ما تقدم تفسيره.
فصل
قال ابن الخطيب : إن علم الله من الأزل إلى الأبد محيط بكل معلوم وعلمه لا يتغير وهو في كونه عالما لا يتغير ولكن يتغير تعلق علمه فإنّ العلم صفة كاشفة يظهر فيها كل ما في نفس الأمر فعلم الله في الأزل أن العالم سيوجد فإذا وجد علمه موجودا بذلك العلم وإذا عدم علمه (٢) معدوما كذلك المرآة المصقولة الصافية يظهر فيها صورة زيد إن قابلها ثم إذا قابلها عمرو يظهر فيها صورته والمرآة لم تتغير في ذاتها ولا تبدلت في صفاتها وإنما التغيير في الخارجات فكذلك ههنا (٣).
قوله : (إِلَّا لِنَعْلَمَ) أي ليقع في العلم صدور الكفر من الكافر ، والإيمان من المؤمن وكان علمه فيه أن سيكفر زيد ويؤمن عمرو (٤) قال البغوي : المعنى (٥) إلا ليميز المؤمن من الكافر وأراد علم الوقوع والظهور وقد كان معلوما عنده بالغيب (٦). وقوله : (وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) محقّق ، ذلك أن الله تعالى قادر على منع إبليس منهم عالم بما سيقع فالحفظ يدخل في مفهومه العلم والقدرة إذ الجاهل بالشيء لا يمكنه حفظه ولا الجاهل (٧).
قوله : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) مفعول «زعمتم» الأول محذوف هو عائد الموصول ، والثاني أيضا محذوف قامت صفته مقامه أي زعمتموهم شركاء من دون الله ولا جائز أن يكون : (مِنْ دُونِ اللهِ) هو المفعول الثاني ؛ إذ لا ينعقد منه مع ما قبله كلام لو قلت : هم من دون الله أي من غير نية موصوف لم يجز ولو لا قيام الوصف مقامه أيضا لم يحذف لأنّ حذفه اختصارا (٨) قليل على أن بعضهم منعه (٩).
__________________
(١) الدر المصون ٤ / ٤٣٣ وانظر المرجع السابق.
(٢) في تفسيره «يعلمه».
(٣) نقله في تفسيره «التفسير الكبير» ٢٥ / ٢٥٣ و ٢٥٤.
(٤) المرجع السابق.
(٥) قاله في معالم التنزيل ٥ / ٢٩٠.
(٦) المرجع السابق.
(٧) في الفخر الرازي : «ولا العاجز» وهو الأصح انظر : الرازي ٢٥ / ٢٥٤.
(٨) قال بذلك شهاب الدين السمين في الدر المصون ٤ / ٤٣٤ و ٤٣٣.
(٩) قال في البحر : في حذف أحد مفعولي : «ظن وأخواتها» اختصارا خلاف منع ذلك ابن ملكون وأجازه الجمهور وهو مع ذلك قليل. والحذف لدليل يسمى اختصارا لغيره يسمى اقتصارا. وقال السيوطي في الهمع ١ / ١٥٢ : وأما حذف أحد المفعولين اقتصارا فلا يجوز بلا خلاف لأن أصلهما المبتدأ والخبر وذلك غير جائز فيهما وأما اختصارا فيجوز نقله عن الجمهور ومنعه طائفة منهم ابن الحاجب وصححه ابن عصفور وأبو إسحاق ابن ملكون كالاقتصار وقياسا على باب «كان» وقد ورد السماع هنا بالحذف قال :
ولقد نزلت فلا تظنّي غيره |
|
منى بمنزلة المحب المكرم |