ثم اتسع فيه فقيل : فرّط في جنبه أي في حقّه ، قال :
٤٣٠٧ ـ أما تتّقين الله في جنب عاشق |
|
له كبد حرّى عليك تقطّع (١) |
فصل
المعنى : أن تقول نفس يا حسرتى يعني لأن تقول (٢) نفس كقوله : (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) [النحل : ١٥] و [لقمان : ١٠] أي لئلّا تميد بكم ، قال المبرد : أي بادروا واحذروا أن تقول نفس (٣) ، قال الزجاج : خوف أن تصيروا إلى حال تقولون يا حسرتنا يا ندامتنا (٤) ، والتحسر الاغتمام على ما فات (٥) ، وأراد : يا حسرتي على الإضافة لكن العرب تحول ياء الكناية ألفا في الاستغاثة فتقول : يا ويلتا ، ويا ندامتا ، وربما ألحقوا بها الياء بعد الألف ليدل على الإضافة (٦) كقراءة أبي جعفر المتقدمة ، وقيل : معنى قوله : (يا حَسْرَتى) أي يا أيّتها الحسرة هذا وقتك (٧). (عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ). قال الحسن : قصّرت في طاعة الله ، وقال مجاهد : في أمر الله ، وقال سعيد بن جبير في حق الله ، وقيل : قصرت في الجانب الذي يؤدي إلى رضا الله ، والعرب تسمي الجنب(٨) جانبا.
ثم قال : (وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) المستهزئين بدين الله ، قال قتادة ولم يكفه أن ضيع(٩) طاعة الله حتى جعل السخر (١٠) بأهل طاعته ، ومحل (وَإِنْ كُنْتُ) النصب على الحال كأنه قال فرطت وأنا ساخر أي فرطت في حال سخرتي.
النوع الثاني من الكلمات التي حكاها الله تعالى (عنهم) (١١) بعد نزول العذاب عليهم قوله : (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).
النوع الثالث : (أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ) عيانا (لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً) رجعة إلى الدنيا (فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) الموحدين.
فتحسروا أولا : على التفريط في طاعة الله ، وثانيا : عللوا بفقد الهداية ، وثالثا : تمنوا الرّجعة.
__________________
(١) البيت مختلف في نسبته ، فقد نسبه القرطبي في الجامع ١٥ / ٢٧١ إلى كثير ، ونسبه الزمخشري في الكشاف وأبو حيان في البحر إلى سابق البربري. وشاهده أن الجنب هنا بمعنى الحق والبيت كما هو واضح من الطويل كسابقه ، ويروى : في جنب وامق بدل من عاشق. وانظر : ديوان كثير ٧٣ والكشاف ٣ / ٤٠٤ وشرح شواهد الكشاف ٤٥١ ومجمع البيان ٧ / ٧٨٦ والبحر المحيط ٧ / ٤٣٥.
(٢) هذا التقدير للكوفيين لأن تقول أو لئلا تقول وعند البصريين حذرا أن تقول انظر : القرطبي ١٥ / ٢٧٠.
(٣) البغوي في معالم التنزيل ٦ / ٧٢.
(٤) قاله في معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٥٩.
(٥) البغوي السابق.
(٦) السيوطي في الهمع ١ / ١٨١.
(٧) نقله البغوي في المرجع السابق.
(٨) السابق وانظر أيضا لباب التأويل للخازن ٦ / ٨٢.
(٩) في ب يضيع.
(١٠) في ب يسخر.
(١١) سقط من ب.