قوله : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) العامة على رفع (وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) وهي جملة من مبتدأ وخبر ، وفي محلها وجهان :
أحدهما : النصب على الحال من الموصول لأن الرؤية بصرية ، وكذا أعربها (١) الزمخشري ومن مذهبه أنه لا يجوز إسقاط الواو من مثلها إلا شاذا (٢) تابعا في ذلك الفراء ، فهذا رجوع منه عن ذلك(٣).
والثاني : أنها في محل نصب مفعولا ثانيا ، لأن الرؤية قلبية وهو بعيد لأن تعلق الرؤية البصرية بالأجسام وألوانها أظهر من تعلق القلبية بهما (٤) ، وقرىء : (وُجُوهُهُمْ (٥) مُسْوَدَّةٌ) بنصبهما على أن «وجوههم» بدل بعض من «كل» ، و «مسودة» على ما تقدم من النصب على الحال أو على المفعول الثاني.
وقال أبو البقاء : ولو قرىء وجوههم بالنصب لكان على بدل الاشتمال (٦) ، قال شهاب الدين: قد قرىء به والحمد لله ولكن ليس كما قال : على بدل الاشتمال بل على بدل البعض ، وكأنه سبق لسان أو طغيان قلم (٧). وقرأ أبيّ أجوههم بقلب الواو (٨) همزة وهو فصيح (٩) نحو : (أُقِّتَتْ) [المرسلات : ١١] وبابه ، وقوله : (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ) عن الإيمان.
قوله : (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ) قرأ الأخوان وأبو بكر بمفازتهم (١٠) جمعا لمّا اختلفت أنواع المصدر (١١) جمع كقوله تعالى : (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) [الأحزاب : ١٠] ، ولأن لكل متق نوعا آخر من المفازة ، والباقون بالإفراد على الأصل.
__________________
(١) في ب قرأ بها. وقد قال في الكشاف ٣ / ٤٠٦ : «جملة في موضع الحال إن كان «ترى» من رؤية البصر ، ومفعول ثان إن كان من رؤية القلب».
(٢) قال في مفصّله والجملة تقع حالا ولا تخلو من أن تكون اسمية أو فعلية فإن كانت اسمية فالواو إلا ما شذ من قولهم : كلمته فوه إلى فيّ وما عسى أن يعثر عليه في الندرة المفصل ١ / ٦٥ بشرح ابن يعيش وانظر أيضا البحر ٧ / ٤٣٧ والدر المصون ٤ / ٦٦٠.
(٣) المرجعين الأخيرين السابقين.
(٤) السابقان.
(٥) معاني الفراء ٢ / ٤٢٤ ومعاني الزجاج ٤ / ٣٦٠ وقد اختار الزجاج الرفع.
(٦) التبيان ١١١٣.
(٧) في ب تام بدل من قلم وقلم هنا هي الموافقة لما في الدر لشهاب الدين ٤ / ٦٦٠ وبدل البعض هو الذي قال به أبو حيان في البحر ٧ / ٤٣٧ والسمين في الدر في المرجع السابق.
(٨) ذكرها ابن خالويه في المختصر ١٣١.
(٩) ولكنه على الجواز فإن الواو المتصدرة المضمومة من الجائز أن تقلب همزة ومن الجائز أن تبقى فنقول أجوه ووجوه.
(١٠) قراءة سبعية متواترة السبعة ٥٦٣ والإتحاف ٣٧٦.
(١١) وقد نقل أبو حيان في البحر هذا عن أبي عليّ. انظر : البحر ٧ / ٤٣٧.