فصل
اختلفوا في الموصوفين بهذه الصفة فقيل : هم الملائكة (١) ، ثم اختلفوا في ذلك السبب فقال بعضهم إنّما يفزع عن قلوبهم من غشية تصيبهم عند سماع كلام الله ـ عزوجل ـ لما روى أبو هريرة أن نبي الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال «إذا قضى الله الأمر في السّماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا» (٢) لقوله كأنه سلسلة على صفوان (٣) فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير (٤). وقال ـ عليه (الصلاة (٥) و) السلام ـ : إذا أراد الله أن يوحي بالأمر تكلّم بالوحي أخذت السّموات منه رجفة أو قال رعدة شديدة خوفا من الله تعالى فإذا سمع بذلك أهل السّموات ضعفوا وخرّوا لله سجّدا فيكون أوّل من يرفع رأسه جبريل فيكلّمه من وحيه بما أراد ثمّ يمرّ جبريل على الملائكة كلّما مرّ بسماء سأله ملائكتها ماذا قال ربّنا يا جبريل؟ فيقول جبريل الحقّ وهو العليّ الكبير قال : فيقولون كلّهم مثل ما قال جبريل. فينتهي جبريل بالوحي حيث أمره الله (٦). وقيل : إنما يفزعون حذرا من قيام الساعة (٧). قال مقاتل والسدي : كانت الفترة بين عيسى ومحمد ـ عليهما (الصلاة (٨) و) السلام ـ خمسمائة سنة. وقيل : ستمائة سنة(٩) لم تسمع الملائكة فيها وحيا فلما بعث الله محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كلّم جبريل ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ بالرسالة إلى محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فلما سمعت الملائكة ظنوا أنها الساعة لأن محمدا ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ عند أهل السموات من أشراط الساعة فصعقوا مما سمعوا خوفا من قيام الساعة فلما انحدر جبريل جعل يمرّ بأهل كل سماء فيكشف عنهم فيرفعون رؤوسهم ويقول بعضهم لبعض : ماذا قال ربّكم؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير وقيل : الموصوف بذلك المشركون. قال الحسن (١٠) وابن زيد : حتى إذا كشف الفزع عن قلوب المشركين عند نزول الموت إقامة للحجة عليهم قالت لهم الملائكة : ماذا قال ربكم في الدنيا؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير فأقروا به حين لم ينفعهم الإقرار.
__________________
ـ أي هو الحق كان صوابا». المعاني ٢ / ٣٦٢. وقال الأخفش في «المعاني» نفس المعنى : «إن شئت رفعت الحقّ وإن شئت نصبته» المعاني له ٢ / ٦٦٢ ، وانظر : البحر ٧ / ٢٧٩.
(١) نقله في زاد المسير ٦ / ٤٥٢.
(٢) تواضعا وانقيادا لحكمه.
(٣) حجر أملس.
(٤) رواه البخاري في صحيحه ورواه السيوطي في جامع الأحاديث ١ / ٣٢٦ و ٣٢٧.
(٥) سقط من «أ».
(٦) أخرجه البغوي في معالم التنزيل عن النواس بن سمعان ٥ / ٢٩٠ و ٢٩١.
(٧) نقله القرطبي في الجامع ١٤ / ٢٩٧ والبغوي في معالم التنزيل ٥ / ٢٩١.
(٨) سقط من «أ».
(٩) وهو قول الكلبي وكعب أيضا ، القرطبي ١٤ / ٢٩٧.
(١٠) معالم التنزيل ٥ / ٢٩١ والقرطبي ١٤ / ٢٩٧.