قوله : (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) فقوله : «الحق» إشارة إلى أنه كامل وقوله : (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) إشارة إلى أنه فوق الكاملين في ذاته وصفاته.
قوله تعالى : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٢٥) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (٢٦) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٨) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٩) قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ)(٣٠)
قوله (تعالى) (١) : (مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ) المطر «و» من «الأرض» النبات (قُلِ اللهُ) يعني إن لم يقولوا رازقنا الله فقل أنت إن رازقكم الله.
قوله : (أَوْ إِيَّاكُمْ) عطف على اسم «إن» وفي الخبر أوجه :
أحدها : أن الملفوظ به الأول (٢). وحذف خبر الثاني للدلالة عليه أي وإنّا لعلى هدى أو في ضلال أو إنكم لعلى هدى أو في ضلال.
والثاني : العكس أي حذف الأول والملفوظ به خبر الثاني (٣). وهو خلاف مشهور وتقدم تحقيقه عند قوله : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ)(٤). وهذان الوجهان لا ينبغي أي يحملا على ظاهرهما قطعا لأن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لم يشكّ أنه على هدى ويقين وأن الكفار على ضلال وإنما هذا الكلام جار على ما تتخاطب به العرب من استعمال الإنصاف في محاوراتهم على سبيل الفرض والتقدير (٥) ويسميه أهل البيان الاستدراج وهو أن يذكر المخاطب أمرا يسلمه وإن كان بخلاف ما يذكر حتى يصغي إلى ما يلقيه إليه إذ لو بدأه بما يكره لم يصغ ، ونظيره قولهم : أخزى الله الكاذب منّي ومنك (٦) ومثله قول الآخر :
__________________
(١) سقط من «أ».
(٢) أي خبر الأول وقد نقله أبو البقاء في التبيان ١٠٦٨ وابن الأنباري في البيان ٢ / ٢٨٠ ومكي في المشكل ٢ / ٢٠٩ وقال النحاس : «يكون «لعلى هدى» للأول لا غير لو قلت : أو أنتم فإذا قلت : أو إياكم كان للثاني أولى وحذفت من الأول ويجوز أن يكون للأول وهو اختيار أبي العباس».
(٣) المراجع السابقة.
(٤) من الآية ٦٢ من التوبة وذكر هناك أقوالا منها حذف الخبر من الأول لدلالة الثاني عليه أي خبر الثاني وهذا قول سيبويه والعكس وهو قول المبرد وذكر تقديما وتأخيرا والتقدير «والله أحق أن يرضوه ورسوله». ونحن نرجّح رأي أبي البقاء ومكي وأبي جعفر النحاس من اختيار الخبر للثاني.
(٥) هذا كلام السمين في الدر ٤ / ٤٣٧.
(٦) أي أخزى الله الكاذب منّا ومنك وكقولهم : «هو بيني وبينك» أي هو بيننا. ذكره سيبويه في الكتاب ٢ / ٤٠٢.