فصل
المعنى : وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه أي يعطي خلفه قال سعيد بن جبير : ما كان في غير إسراف ولا تقتير فهو يخلفه (١) ، وقال الكلبي : ما تصدقتم من صدقة وأنفقتم في الخير من نفقة فهو (ينفقه) ويخلفه على المنفق إما أن يعجّل له في الدنيا وإما أن يدّخر له في الآخرة (٢). (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) خير من يعطي ويرزق ، روى أبو هريرة قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إنّ الله قال : «أنفق أنفق عليك» (٣) وقال ـ عليه (الصلاة (٤) و) السلام ـ : «ما من يوم يصبح فيه العباد إلّا وينزل (فيه) (٥) ملكا (ن) (٦) فيقول أحدهما : اللهمّ أعط منفقا خلفا ويقول الآخر : اللهمّ أعط ممسكا تلفا». وإنما جمع الرازقين من (٧) حيث الصورة لأن الإنسان يرزق عياله من رزق الله والرازق للكل في الحقيقة إنما هو الله ، واعلم أنّ خير الرازقين يكون لأمور أن لا يؤخر في وقت الحاجة وأن لا ينقص من قدر الحاجة وأن لا ينكده بالحساب وأن لا يكدّره بطلب الثواب والله تعالى كذلك.
فإن قيل : قوله : (خَيْرُ الرَّازِقِينَ) ينبىء عن كثرة الرّازقين ولا رازق إلّا الله.
فالجواب : أن يقال : الله خير الرازقين الذين تظنونهم رازقين وكذلك في قوله تعالى : (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : ١٤] وأيضا فإن الصفات منها ما هو لله وللعبد حقيقة كالعلم بأن الله واحد فإن الله يعلم أنه واحد ، والعبد يعلم أنه واحد حقيقة ومنها ما يقال لله حقيقة وللعبد مجازا مثل الرزّاق (٨) والخالق فإن العبد إذا أعطى غيره شيئا فالله هو المعطي في الحقيقة ولكن لما وجدت صورة العطاء من العبد سمّي معطيا وهذا منه (٩).
قوله تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (٤١) فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (٤٢) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ
__________________
(١) نقله ابن الجوزي في زاد المسير ٦ / ٤٦١.
(٢) المرجع السابق.
(٣) أورده الشّوكانيّ في فتح القدير ٤ / ٣٣٢ والقرطبي في تفسيره الجامع ١٤ / ٣٠٧ ، والبغوي في معالم التنزيل ٥ / ٢٩٣.
(٤) زيادة من «ب».
(٥ و ٦) سقطا من «ب» وانظر المراجع السابقة وجامع الأحاديث للسيوطي ٥ / ٦٠٦.
(٧) انظر في هذا تفسير الإمام الفخر الرازي ٢٥ / ٣٦٤.
(٨) المرجع السابق.
(٩) المرجع السابق.