فيكون جزءا من ألف قال : وهو الأظهر لأن المراد به المبالغة في التقليل (١).
فصل
المعنى أن هؤلاء المشركين ما بلغوا معشار ما أعطينا الأمم الخالية من النّعمة والقوة (٢) وطول العمر فكذبوا رسلي فكيف كان نكير؟ أي إنكاري وتغييري (٣) عليهم يحذر كفار هذه الأمة عذاب الأمم الماضية وقيل : المراد وكذّب (٤) الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم أي الذين من قبلهم ما بلغوا معشار ما آتينا قوم محمد من البيان والبرهان وذلك لأن كتاب محمد ـ عليهالسلام ـ أكمل من سائر الكتب وأوضح ومحمد ـ عليهالسلام ـ أفضل من جميع الرسل وأفصح وبرهانه أوفى ، وبيانه أشفى ، ثم إن المتقدمين لما كذبوا بما جاءهم من الكتب وبما آتاهم من الرسل أنكر عليهم فكيف لا ينكر عليهم وقد كذبوا بأفصح (٥) الرّسل وأوضح السّبل ويؤيد هذا قوله تعالى : (وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها) يعني غير القرآن ما آتيناهم كتابا (وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) فلما كان المؤتى في الآية الأولى هو الكتاب فحمل الآية الثانية على إيتاء الكتاب أولى(٦).
قوله : (فَكَذَّبُوا) فيه وجهان :
أحدهما : أنه معطوف على (كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ).
والثاني : أنه معطوف على (وَما بَلَغُوا)(٧). وأوضحهما الزمخشري فقال : «فإن قلت: ما معنى «فكذبوا رسلي» وهو مستغنى عنه بقوله : (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)؟ قلت : لما كان معنى قوله : (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) وفعل الذين من قبلهم التكذيب وأقدموا عليه جعل تكذيب الرسل سببا عنه ونظيره أن يقول القائل : أقدم فلان على الكفر فكفر بمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ويجوز أن يعطف على قوله : (وَما بَلَغُوا) كقولك : ما بلغ زيد معشار فضل عمرو فيفضّل عليه» (٨) و «نكير» مصدر مضاف لفاعله أي إنكاري (٩) وتقدم حذف يائه وإثباتها(١٠).
__________________
(١) انظر : ما سبق من مراجع.
(٢) في «ب» القوة ويالنعمة بتقديم القوة على النعمة وليس كما في «أ».
(٣) في «ب» وتغيري بياء واحدة. وانظر هذا المعنى في غريب القرآن ٣٥٨ ومجاز القرآن ٢ / ١٥٠.
(٤) قاله الرازي ٢٥ / ٢٦٧.
(٥) كذا في الرازي وما في «ب» أوضح الرسل. وكلا اللفظين متقاربان.
(٦) المراجع السابقة.
(٧) الدر المصون ٤ / ٤٥٣ والكشاف ٣ / ٢٩٤.
(٨) انظر : الكشاف للعلامة الزمخشري ٣ / ٢٩٤ ، وفيه «فتفضل عليه» بدل من فيفضل عليه بالتاء لا بالياء.
(٩) بالمعنى من البحر ٧ / ٢٩٠. وقد قاله شهاب الدين في الدر ٤ / ٤٥٣ وقال في البحر ٧ / ٢٩٠ : «والنّكير مصدر كالإنكار وهو من المصادر التي جاءت على وزن فعيل. والفعل على وزن أفعل كالنّذير والعذير من أنذر وأعذر».
(١٠) يقصد : «ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ» وهي الآية ٤٤ من سورة الحج وقد أثبت الياء في الوصل والوقف يعقوب وأثبتها في الوصل فقط ورش وإثباتها وصلا ووقفا قراءة عشرية ، بينما إثباتها في ـ