فصل
ويقذفون قال مجاهد : يرمون محمدا صلىاللهعليهوسلم بالظنّ لا باليقين وهو قولهم : ساحر وشاعر وكاهن. ومعنى الغيب هو الظن لأنه غاب علمه عنهم والمكان البعيد بعدهم عن علم ما يقولون والمعنى يرمون محمدا بما لا يعلمون من حيث لا يعلمون.
وقال قتادة : «أي يرجمون بالظن يقولون لا بعث ولا جنة ولا نار» (١).
قوله : «وحيل» تقدم فيه الإشمام والكسر (٢) أول البقرة. والقائم مقام الفاعل ضمير المصدر أي وحيل هو أي الحول ولا تقدره مصدرا مؤكدا بل مختصا حتى يصح قيامه (٣) ، وجعل الحوفيّ القائم مقام الفاعل «بينهم» (٤). واعترض عليه بأنه كان (٥) ينبغي أن يرفع. وأجيب عنه بأنه إنما بني على الفتح لإضافته إلى غير (٦) متمكّن. ورده أبو حيان بأنه لا يبنى المضاف إلى غير متمكن مطلقا ، فلا يجوز : قام غلامك ولا مررت بغلامك بالفتح (٧). قال شهاب الدين : وقد تقدم في قوله : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) ما يغني عن إعادته (٨). ثم قال أبو حيان : وما يقول قائل ذلك في قول الشاعر :
٤١٤٩ ـ .......... |
|
وقد حيل بين العير والنّزوان (٩) |
فإنه نصب «بين» مضافة إلى معرب (١٠). وخرّج أيضا على ذلك قول الآخر :
٤١٥٠ ـ وقالت متى يبخل عليك ويعتلل |
|
يسؤك (و) إن يكشف غرامك تدرب (١١) |
__________________
(١) نقل هذه الأقوال القرطبي في الجامع ١٤ / ٣١٧ والبغوي في معالم التنزيل ٥ / ٢٩٦.
(٢) كشأن أي فعل مبني للمفعول وكان أجوف فإنه يجوز فيه ثلاثة أوجه : قلب الألف واو مثل صوم وعوم أو قلبها ياء مثل صيم وبيع وقيل ، أو الإشمام إشمام الضم مع الكسر بالنسبة للحرف الأول وهكذا هذا الفعل الذي معنا وهو «حيل» فيجوز فيه حول وحيل والإشمام. انظر : اللباب ١ / ٧٢.
(٣) قاله السمين في الدر ٤ / ٤٥٩.
(٤) البحر المحيط ٧ / ٢٩٤.
(٥) المعترض هو أبو حيان قال : «ولو كان على ما ذكر لكان مرفوعا ب «بينهم» كقراءة من قرأ : «لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ» في أحد المعنيين».
(٦) الدر المصون ٤ / ٤٥٩.
(٧) قاله في البحر ٧ / ٢٩٤ و ٢٩٥.
(٨) الدر المصون ٤ / ٤٥٩.
(٩) عجز بيت من الطويل لصخر بن عمرو صدره :
أهم بأمر الحزم لو أستطيعه |
|
... |
والعير الحمار ، والنزوان إتيانه لأنثاه. وشاهده : نصب «بين» مع إضافته إلى المعرب والفتح هنا في بين بناء ، فلو كان الإعراب لازما لإضافته إلى المعرب لرفع بين ولكنه لم يحصل. وانظر : البحر لأبي حيان ٧ / ٢٩٥ واللسان : «نزا» والأصمعيات ١٤٦.
(١٠) في النسختين «معرف» والأصح معرب ، كما أثبت.
(١١) من الطويل كسابقه وهو لامرىء القيس وقيل : لعلقة بن عبدة وهو غير صحيح ويعتلل : يتخذ علة لقطع وصاله. وتدرب : تتعود والمعنى إن يحل عليك بالوصال ضرك ذلك وإن هجرتك كان عادة لك ـ