ومن هنا يتنبّه اللبيب إلى سرّ منشأ التنزيه ومبدإ وسرّ الرحمة والغضب ، والسبق المشار إليه ، والرضا والسخط ، و (١) الجلال والجمال ، و (٢) القهر واللطف ، كيف قلت ، فإنّ الجميع يرجع إلى هذين الأصلين ، وأتمّ العبارات عنهما وأشدّها مطابقة (٣) ما ورد به التعريف الإلهي ، أعني الرحمة والغضب ، فافهم ، والله المرشد.
ثم نقول : فانفصلت في أحد الشطرين نسبة الوحدة التي تستند إليها الكثرة من حيث أحكامها المتعدّدة بسائر توابعها ، فتعيّنت مرتبة الاسم الظاهر بالانفصال المذكور من حضرة الغيب فتعيّن التعيّن (٤) لنفسه وللمتعيّن به قبل أن يظهر التعدّد للمعدود في مقام الكمّ والكيف وأخواتهما ، كمتى ، وأين ، وامتاز بالشهادة عن الغيب ، فتعيّنت للباطن مرتبة جملية بامتياز الظاهر عنه ، وشوهد بغيب الظاهر من حيث ظهوره ما أظهر من الأحكام والصفات والصور واللوازم التابعة له فعلم [بالشهادة الظاهرة منه فعلم الشهادة بالغيب] (٥) المستبطن فيه ، وجميع ما انفصل في الشطر المختصّ بالاسم الظاهر ، فإنّما هو في تبعيّة كمال الجلاء والاستجلاء وخدمته ، وبقي الشطر الآخر على إطلاقه في مقام عزّه (٦) الأحمى ، وكماله المنزّه عن النعوت والقيود والأحكام وتعلّقات المدارك ، ما عدا التعلّق الإجمالي المشار إليه.
وتسميته شطرا ليس لتعيّنه وتقيّده ، بل لمّا تعيّن منه شطر ، صار (٧) دليلا عليه ؛ [لأنّه الأصل ، فالمتعيّن منه دليل عليه] (٨) من حيث إنّه غير متعيّن ، فكان هو الدليل والمدلول كما سبق التنبيه عليه في سرّ العلم ، وكلّ دليل فإنّه حجاب على المدلول مع أنّه معرّف له من الجهة التي من حيث (٩) هي تدلّ عليه ، فافهم.
ثم إنّه اخترع له ، فظهر بحسب حكمه في كلّ ما تعيّن به ، ومنه اسم يدلّ عليه دلالتين : دلالة الحكم المختصّ بالأمر المتعيّن ، ودلالة أخرى إجماليّة تعرّف أنّه أصل كلّ ما تعيّن. وهذا هو سرّ التسمية ، فافهم.
__________________
(١) ب : أو.
(٢) ق : أو.
(٣) ق : مطابقا.
(٤) في بعض النسخ : فتعيّن لنفسه.
(٥) ما بين المعقوفين غير موجود في ه.
(٦) ب : عزته.
(٧) ب : صادر.
(٨) ما بين المعقوفين ساقط من المطبوعة.
(٩) ب : حيثها.