ثمّ إنّه لم يكن بدّ من حافظ يحفظ الحدّ الفاصل بين الشطرين ، ويمنع الشطر المنفصل من الامتزاج والاتّحاد بما انفصل عنه بعد التعيّن والامتياز ، ليبقى الاسم «الظاهر» وأحكامه على الدوام ، ويستمرّ نفاذ حكم التجلّي الإيجادي والحكم التعيّني ، فإنّه إن لم يكن ثمّة حافظ (١) يمنع ممّا ذكرنا (٢) اختلّ النظام ؛ لأنّ في الممتاز المنفصل ما يطلب الغيب الأوّل طلبا ذاتيّا ، فإنّه معدن الجميع ، والأشياء تحنّ إلى أصولها والجزئيّات إلى كلّيّاتها ، فكانت الأحديّة نعت ذلك الحدّ المشار إليه ، فهو معقول غيبي لا يظهر له عين أصلا وهكذا كلّ فاصل يحجب (٣) بين أمرين إنّما يظهر حكمه لا عينه ، وكان الحافظ لهذا الحدّ هو الحقّ ، ولكن من حيث باطن الاسم «الظاهر» وهي النسبة الباقية منه في الغيب الذي به صحّ بقاؤه ودلالته على المسمّى الذي هو الباطن أيضا.
سرّ الإنسان الكامل
وهذه النسبة الباطنة من الظاهر لا تقبل الانفصال من الغيب. فإنّها عبارة عن الأمر الجامع بين الظاهر والباطن المطلق ، والفعل والانفعال ، والطلب والمطلوبيّة ، ولهذه النسبة وجه يلي الظاهر ، ووجه يلي الباطن المطلق ، فأحد وجهيه (٤) يلي الإطلاق الغيبي والآخر له التقيّد والتعدّد الشهادي. فأشبهت الهويّة التي انفصل منها الشطر المذكور من حيث اتّحاد الشطرين في الأصل وكون التغاير لم يكن إلّا بالامتياز وهو نسبة عدميّة ، لا أمر وجودي ، فتلك الحقيقة الحافظة المذكورة هي مرتبة الإنسان الكامل الذي هو برزخ بين الغيب والشهادة ، ومرآة تظهر فيها حقيقة العبوديّة والسيادة ، واسم المرتبة بلسان الشريعة العماء ونعتها الأحديّة ، والصفات المتعيّنة فيها بمجموعها هي الأسماء الذاتيّة ، والصورة المعقولة ـ الحاصلة من مجموع تلك الأسماء المتقابلة ، وأحكامها ، والصفات ، والخواصّ اللازمة لها من حيث بطونها ـ هي الصورة الإلهيّة (٥) المذكورة.
وهذه الأسماء وما يتلوها في المرتبة من الأسماء الكلّيّة لا ينفكّ بعضها عن بعض ،
__________________
(١) ق : حافظه.
(٢) في بعض النسخ : ذكر.
(٣) ق : يحجر.
(٤) ق : وجهة.
(٥) ق : الألوهية.