والواحد في مرتبة وحدته التي لا يظهر فيها لغيره عين لا يدركه سواه ؛ إذ لو أدركه الغير ، لما صحّ كونه واحدا ؛ فإنّ نسبة معقوليّة إدراك غيره له أمر زائد على حقيقته ، ولا يمكن أن يتّصل به أيضا حكم من خارج ؛ لأنّه ليس ثمّة ما يخرج عنه ، فلم يدرك إلّا بنفسه ، أو (١) بما ظهر منه وامتاز عنه ؛ لعدم مغايرته إيّاه من أكثر الوجوه.
ولمّا كان مبدأ انبعاث النفس الإنساني ـ الذي انفتحت فيه صور الحروف ـ هو باطن القلب ، وله الغيب الإضافي نظير الغيب المطلق ، الذي له النفس الرحماني ، وهو مستند الأحديّة والتعيّن الأوّل المشار إليه وكان (٢) الشفتان آخر مراتب النفس الإنساني والكلام ، ولهما (٣) الشهادة والتثنية الظاهرة ، في مقابلة التثنية الأولى المتعيّنة من الوحدة وبها ، وكان الواحد من شأنه أن لا يتعيّن في مرتبة من المراتب بنفسه ، بل يعيّن ولا يتعيّن ، والألف ـ كما بيّنّا ـ مظهره وكان أقرب الحروف نسبة إلى الألف هو الباء ، كما أنّ أقرب المراتب نسبة إلى الوحدة هي (٤) التثنية الأولى المذكورة لمجاورة آخر نقطة الدائرة أوّلها ، ولما علمت من حال الكثرة ـ التي هي في (٥) مقابلة الوحدة ـ من أنّها تنتهي عند التحليل إلى الوحدة التي انتشت (٦) منها.
النظريّة الدوريّة والحروف العاليات
وأحكام الوجود والحقائق والمراتب والموجودات دوريّة ، والحركات المعقولة والمحسوسة من الأمور الكلّيّة والتالية لها أيضا دوريّة ، وهذا من البيّن عند الألبّاء المستبصرين ، فظهر ـ لما قلنا وكما بيّنّا ـ [أنّ] حرف الباء في المرتبة الثانية من الألف.
وقد أسلفنا أنّ كلّ ظاهر متعيّن فإنّه اسم دالّ على أصله الذي تعيّن منه وظهر به ، فالحروف والكلمات اللفظيّة والرقميّة هي أسماء الأسماء ، لدلالتها على حقائق الأسماء الغيبيّة.
__________________
(١) في بعض النسخ : و.
(٢) ق : كانت.
(٣) ق : لها.
(٤) في بعض النسخ : هنّ.
(٥) في بعض النسخ : لم يرد.
(٦) في بعض النسخ : انتشأت.