الميم
فمن حيث سريان حكم الإرادة وإتمام الدورة ظهر بجميع الأعداد البسيطة وهي التسعة ؛ فإنّ الميم في الصورة الظاهرة ميمان لكلّ ميم أربعون ، وللياء المتوسّطة عشرة ، فصارت الجملة تسعين. والتسعون هي التسعة بعينها لكن في مراتب العشرات ، وكذلك حكم الميم مع السين والسين مع الباء باعتبار السابق والتثنية التي ذكرتها في حكم القلم واللوح.
ثم نرجع إلى الميم ونقول : فظهرت الياء ـ التي لها العشرة ـ بين صورتي الميم ؛ لأنّ الوسط مقام الجمع الذي منه تنشأ الأحكام ، وسكونها إشارة إلى الخفاء الذي هو شرط في التأثير ؛ فإنّ الأثر فيما ظهر راجع إلى المراتب الغيبيّة ، فكلّ أثر يشهد من كلّ ظاهر فإنّما ذلك بأمر باطن فيه أو منه ، وهكذا خفي حكم الإرادة في المراتب المتقدمة عليها ، ثم ظهر بظهور متعلّقها الذي هو المراد ، وقد أشرت إلى ذلك من قبل.
ولهذه الآخريّة والجمع اختصّ الميم بالإنسان ، كما أخبر به سيّدنا وشيخنا رضى الله عنه ، فعلى هذا كان احتواء الميم على التسعة من وجه والتسعين من وجه إشارة إلى استيفائه أحكام أسماء الإحصاء ، وحكمه في هذه الإحاطة والدور المذكور.
واختصاصها بالإنسان ـ الذي هو آخر الموجودات ظهورا ـ من حيث صورته ، نظير التجلّي الحبّي الأوّل ، الذي دار في الغيب على نفسه الدورة الغيبيّة المذكورة حتى كان مفتاح سائر البواعث الحبّية المستجنّة في حقائق الممكنات ، ومفتاح الحركات الدوريّة العشقيّة المنبّه عليها عند الكلام على سرّ بدء الإيجاد.
فمن أحكام الباء الدلالة على التثنية الأولى ، المنبّهة على الجمع وأوّليّة المرتبة الكونيّة التالية للأحديّة الإلهيّة ، وعلى الألف الغيبي المختصّ (١) بالأحديّة المعقول بينه وبين السين.
ومن أحكام السين الدلالة على ما دلّ عليه حرف الباء ، وعلى النسب التي تستند إليها الأرواح المهيمنة (٢) قبل الباء ، كالأسماء الباطنة الأصليّة وغيرها ممّا سبق التنبيه عليه في سرّ بدء الأمر وانفصال الشطر الغيبي ، ونظير ذلك في النفس الإنساني مخارج الحروف التي
__________________
(١) ق : المخصّص.
(٢) ه : المهيميّة.