وانظر حكم المرتبة الأولى (١) كيف سرى فيما تحتها من المراتب من غير انخرام ولا اختلال تعرف بعض الأمر ممّا تسمع وتستروح صحّته لئلّا تظنّ أنّه اعتبار ، أو تأويل ، أو كلام نتج (٢) عن حدس وتخمين ، بل ذلك تنبيه عزيز على أسرار إلهيّة غامضة ، وترتيب شريف رتّبه ربّ لطيف عليم خبير.
ثم أقول : ولست أسلك هذا المسلك في تفسير هذه السورة وإنّما ذكرت هذا القدر تعريفا بما أودع الحقّ كتابه العزيز ، وسيّما هذه السورة التي هي أنموذج ونسخة لكتابه الكريم ، بل لسائر كتبه من الأسرار الغريبة ، والعلوم العجيبة ليعلم أنّه رتّب حروفه وكلماته وترتيب مدبّر خبير ، فما فيه حرف بين حرفين أو متقدّم ، أو متأخّر إلّا وهو موضوع بقصد خاص ، وعلم كامل ، وحكمة بالغة لا تهدى العقول إلى سرّها.
بطون القرآن وأسرار الحروف
ومن لا يكشف له هذا الطور لم يعرف سرّ بطون القرآن التي ذكرها رسول الله صلىاللهعليهوآله بقوله «للقرآن ظهر وبطن إلى سبعة أبطن» (٣) ، وفي رواية «إلى سبعين بطنا» ولا سرّ (٤) قوله : (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) (٥) ولا سرّ قوله : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) (٦) ، ولا سرّ قوله صلىاللهعليهوآله : «خصّصت بستّ» ، وتعيينه في جملتها الفاتحة وخواتم البقرة الدالّة على كمال ذوقه وجمعيّته ، ولا سرّ قوله تعالى : (تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (٧) ، ولا سرّ قول علي رضي الله عنه : «لو أذن لي في تفسير الفاتحة ، لحملت منها سبعين وقرا» ، ولا سرّ قول الحسن رضى الله عنه : «أنزل الله مائة كتاب وأربعة كتب ، فأودع المائة في الأربعة» وهي : التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، والفرقان ، وأودع الجميع في القرآن ، وأودع جميع ما في القرآن في المفصّل ، وأودع ما في المفصّل في الفاتحة. وقد نبّهتك الآن على اندراج الجميع في هذه الأسماء الثلاثة ، ثم اندراج الاسمين ، وما تحت حيطتهما في الاسم «الله» ثم اندراج كلّ شيء في حرف الهاء من الاسم «الله».
__________________
(١) ه : أولى.
(٢) ق : ينتج.
(٣) أحاديث مثنوي ، ص ٨٣.
(٤) ق : لا توجد.
(٥) طه (٢٠) الآية ٥٠.
(٦) الرعد (١٣) الآية ٢.
(٧) فصلت (٤١) الآية ٤٢.