معرفة ذينك الأمرين وأحد الأمرين هو الغيب الإلهي الذاتي. و (١) لا خلاف في استحالة معرفة ذاته سبحانه من حيث حقيقتها لا باعتبار اسم أو حكم أو نسبة أو مرتبة.
فتعذّرت هذه المعرفة المشار إليها من هذا الوجه ، وقد سبق في ذلك ما يغني عن التكرار والإعادة. والتحقيق الأتمّ أفاد أنّه متى شمّ (٢) أحد من معرفتها رائحة ، فذلك بعد فناء رسمه وانمحاء (٣) حكمه ونعته واسمه واستهلاكه تحت سطوات أنوار الحقّ وسبحات وجهه الكريم ، كما سبقت الإشارة إليه في شرح حال السالك على السبيل الأقوم ، إلى المقام الأقدم.
فيكون حينئذ العالم والمتعلّم والعلم في حضرة وحدانيّة رفعت الاشتباه والأشباه ، (٤) وحقّقت وأفادت معرفة سرّ قول : «لا إله إلّا الله» مع انفراده سبحانه في غيب ذاته من حيث حجاب عزّته عن درك البصائر والأبصار ، وعن إحاطة العقول والأفكار ، وعن قيد الجهاد والاعتبارات والأقطار ، فسبحانه لا إله إلّا هو العزيز الغفّار ، كما قلنا ولما بيّنّا ونبّهنا على ما به أخبر وإليه أشار قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ). يتضمّن مسائل أربع : أولاها : سرّ الحمد ، ثم سرّ الاسم «الله» ثمّ سرّ الاسم «الربّ» ، ثم «العالمين».
مقدّمه
ولا بدّ قبل الشروع في هذا الكلام من تقديم أصل وجيز يكون مذكّرا ببعض ما سلف ذكره في القواعد ممّا يتعلّق بهذا الأمر المتكلّم فيه ، وعونا على فهم ما يذكر من بعد.
ولهذا المعنى ونحوه قدّمت تلك القواعد الكلّيّة ، وضمّنتها من كلّيّات العلوم والحقائق ما يستعين به (٥) اللبيب على معرفة ما يأتي بعدها من التفاصيل ، ولأكتفي في المواضع الغامضة ـ التي لا يتمّ إيضاحها إلّا بمعرفة أصلها ـ بالتنبيه على ما سلف من كلّيّات الأمور المعرّفة بسرّ ذلك الأصل وحكمه ، فلا أحتاج إلى الإعادة والتكرار ، فممّا (٦) سلف ـ ممّا يحتاج إلى استحضاره في هذا الموضع هو : أنّ كلّ موجود كائنا ما كان فله ذات ومرتبة ،
__________________
(١) ق : لم يرد.
(٢) ق : يشمّ.
(٣) ق : امتحاء.
(٤) ق : الأشباه والاشتباه.
(٥) ق : بها.
(٦) ق : ممّا.