ولمرتبته أحكام تظهر في وجوده المتعيّن بحقيقته الثابتة ، فتسمّى آثار تلك الأحكام في ذات صاحبها أحوالا. والمرتبة عبارة عن حقيقة كلّ شيء لا من حيث تجرّدها ، بل من حيث معقوليّة نسبتها الجامعة بينها وبين الوجود المظهر لها والحقائق التابعة لها ؛ فإنّه قد (١) بيّنّا أنّ بعض الحقائق تابع للبعض ، وأنّ التابعة أحوال للمتبوعة وصفات ولوازم. وبيّنّا أيضا أنّ الموجودات (٢) ليست بأمر زائد على حقائق مختلفة ظهرت بوجود واحد تعيّن وتعدّد في مراتبها وبحسبها ، لا أنّه (٣) إذا اعتبر مجرّدا عن الاقتران بهذه الحقائق يتعدّد في نفسه.
وللحقّ ذات ومرتبة ، ومرتبته عبارة عن معقوليّة نسبة كونه إلها ، وهذه النسبة من حيث هي هي مسمّاة بالألوهيّة ، وللحقّ سبحانه من حيث هي آثار في المألوهين ، وصفات لازمة تسمّى أحكام الألوهيّة. وذاته سبحانه من حيث تجرّدها عن جميع الاعتبارات المقيّدة ، وعدم تعلّقها بشيء ، وتعلّق شيء بها ؛ لعدم المناسبة لا كلام فيها ، كما مرّ بيانه غير مرّة.
ومن حيث معقوليّة نسبة تعلّقها بالخلق ، وتعلّقهم بها ، وبحسب أحوالهم من كونهم مجاليه ومظاهره ، يضاف (٤) إليها أحوال ، كالرضى والغضب ، والإجابة والفرح ، وغير ذلك عبّر عنها بالشؤون. وتضاف (٥) إليها من حيث آثار مرتبتها التي هي الألوهيّة في كلّ مؤثّر فيه ، صفات تسمّى أحكام المرتبة ، كالقبض والبسط ، والإحياء والإماتة ، والقهر واللطف ، ونحو ذلك فاعلم واستحضر هذه المقدّمة الكلّيّة لتنتفع بها ـ إن شاء الله تعالى ـ وبعد أن تقرّر هذا ، فلنشرع في شرح الحمد بلسان التنبيه.
معنى الحمد :
فنقول قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) الحمد من مقام التفصيل والجمع لا الأحديّة ، ولا يصحّ بين متماثلين ، بل لا بدّ من علوّ المحمود على الحامد من حيث هو محمود بالنسبة إلى الحامد من حيث هو حامد ، حال الحمد وعلى أيّ وجه ظهر الحمد ؛ فإنّه من حيث صورته لسان من ألسنة الكمال ، فهو في البداية إشارة إلى كمال قصد الحامد في نفسه ، وإلى كمال
__________________
(١) ق : لا توجد.
(٢) ق : الوجودات.
(٣) ق : لأنّه.
(٤) ق ، ه : ينضاف.
(٥) ق ، ه : ينضاف.