معرفته عليه ، وكون الظاهر مطلوبا للباطن والظاهر مستغن ، فلا تزال المجاذبة والمقارعة واقعة بين المرتبتين.
والحافظ للحدّ ـ أعني الإنسان الكامل ـ برزخ بين الحضرتين ، جامع لهما ، بيده الميزان في قبّة أرين (١) ، دائم النظر إلى عين الميزان ، الذي هو مقام الاعتدال ونقطة وسط الدائرة.
فتراه حارسا واقيا (٢) حافظا بأحديّة الجمع صورة الخلاف ، مظهرا ناظما فاصلا يطلب من ربّه أن يجوع يوما ويشبع يوما ، تأسّيا بصورة الأصل ، وتطبيقا تناسبيّا بين حكم الحقائق الغيبيّة المجرّدة الباطنة والموادّ الصوريّة التركيبيّة الظاهرة ؛ فإنّ العصمة من لوازم الاعتدال وأحكامه على اختلاف مراتب الاعتدال المعنويّة والروحانيّة والطبيعيّة بالنسبة إلى الصور البسيطة و (٣) المركّبة ، وضدّ الاعتدال ـ حيث كان ـ يلزمه الفناء والاختلال والتحليل وظهور الأحكام الشيطانيّة ونحو ذلك ، فاعتبر ما ذكرته لك كلّيّا عامّا وجزئيّا في كلّ مرتبة وصورة معيّنة ، وعضو ظاهر وباطن ، وأمر طبيعي أو روحاني ، تستشرف على أسرار غريبة عزيزة ، عظيمة الجدوى.
غذاء الروح وغذاء الجسد
ثم اعلم ، أنّه كما اختصّ كلّ مزاج صوري باعتدال يخصّه ويناسبه وبحفظه تنحفظ صحّة ذلك المزاج ، ويدوم بقاء صاحبه ، ويظهر أحكام القوى البدنيّة في ذلك المزاج ، على الوجه الموافق والميزان المناسب بالمزج المتوسّط بين طرفي الإفراط والتفريط ، فيتأتّى لجميع القوى أن تتصرّف في أفانين أفعالها ، وتتعلّق المدارك بحسب مراتبها بمدركاتها ونحو ذلك ، كذلك للروح الإنساني قوى وصفات واختلاف (٤) يحصل بينها امتزاج روحاني ومعنوي يقوم منها نشأة نورانيّة ، ولذلك المزاج أيضا اعتدال يخصّه ، وميزان يناسبه ، بحفظه تنحفظ تلك النشأة ، ويتأتّى لقواها التصرّف فيما أبيح له التصرّف فيه ، على نحو ما سبق التنبيه عليه في المزاج الصوري.
__________________
(١) الأرين : النشاط ، واسم موضع. وكلاهما صحيح هنا.
(٢) وافيا.
(٣) ق : لم يرد.
(٤) ق : أخلاق.