ولم يتجاوز بها حدّها ، ولم يمزج بين الصفات ، ولم يخلط بين المراتب وأحكامها ، وأقام العدل في نفسه وخاصّة (١) رعاياه ، وتحقّق بالاسمين : «الحكم» «العدل» وغيرهما ، وصار صحيح الكشف ، صحيح المزاج الروحاني ، كنبيّنا صلىاللهعليهوآله والكمّل قبله وبعده من ورثته.
فما كان كمال كشفه (٢) إدراكه في مرتبة المثل ، كشفه ممثّلا ، وما كان كمال كشفه أن يدرك في الحسّ ، أدركه في الحسّ ، وما كان كمال كشفه أن يدرك في عالم المعاني المجرّدة والحضرات الروحانيّة ، أدركه في مرتبته حيث كان على ما هو عليه.
أخبرني شيخي وإمامي الإمام الأكمل رضي الله عنه : أنّه منذ تحقّق بهذا الأمر ما استعمل قوّة من قواه إلّا فيما خلقت له ، وأنّ قواه شكرته عند الحقّ ؛ لإقامة العدل فيها وتصريفه إيّاها فيما خلقت له ، وهذا من أعلى صفات مرتبة الكمال عند من عرف ما الكمال ، فكن يا أخي ممّن عرف ـ إن شاء الله ـ
تخبط المحجوبين
ثم نقول : وفي مقابلة صاحب هذا الذوق المحجوبون عن عالم الكشف ، وهم الذين بعدت نسبة أمزجتهم الروحانيّة عن الاعتدال المذكور ، بطمس قواهم النفسانيّة ، واستيلاء حكم بعض الصفات الطبيعيّة (٣) بقهرها لباقي الصفات ، وانصباغ ما عدا الغالب بحكم تلك الصفة الغالبة انصباغا أوجب اضمحلال خاصّيّته واستهلاكه ، كما أشرنا إلى ذلك في التجلّي الذاتي بالنسبة إلى المتجلّى له التامّ التوجّه والاستعداد.
فالمزاج الروحاني ـ الذي للجاهل الفدم ، (٤) الغليظ ، الأحمق ، الجافي ، البعيد الفطنة جدّا ـ في مقابلة المزاج الروحاني المختصّ بصاحب الكمال المذكور ، الذي يبصر بالحقّ ويسمع به ، ويبصر أيضا به الحقّ ويسمع به ، كما ورد في الحديث الثابت.
ونظير هذا الذي ذكرناه ـ من الصور المركبة بالنسبة إلى الاعتدال الطبيعي في الأمزجة ـ مزاج المعدن بالنسبة إلى مزاج الإنسان ، الذي هو أقرب الأمزجة نسبة إلى الاعتدال التامّ.
__________________
(١) ه : خاصّته.
(٢) ق : عرفت.
(٣) ق : الطبعية.
(٤) الفدم : العييّ عن الكلام ، الأحمق ، الغليظ الدم. وفي ب : القدم.