اقتضى الأمر الإلهي أن يكون في عباد الله من هو مظهر هذا الحكم الكلّي والتفصيلي المختصّين بالرحمة ، فكان ذلك العبد صاحب السجلّات ، الذي وردت قصّته في الحديث ، وكانت بطاقته الحاملة سرّ أحديّة الجمع هي التي فيها لا إله إلّا الله ، ولها الأوّلية والجمعيّة والأحديّة ، فغلبت لذلك أحكام الأسماء كلّها.
وفي التحقيق الأتمّ أنّ الرحمة لمّا كانت سارية الحكم في مراتب الأسماء ، بنسبة التفصيل والكثرة في (١) مرتبة (٢) جمعيّتها وأوّليّتها بأحديّة الجمع ، كانت الغلبة والمغلوبيّة حكمين راجعين إليها ، فهي ـ من حيث أحديّتها وجمعيّتها للنسب التفصليّة ـ غالبة ، وهي بعينها ـ من حيث تفاريعها ونسبها الجزئيّة المتعيّنة في مرتبة كلّ اسم بحسبه ـ مغلوبة ، فهي الغالبة المغلوبة ، والحاكمة المحكومة ، وهكذا سرّ الحكم في المظهر المشار إليه ؛ فإنّ التسعة والتسعين سجلّا هي نسخ حاملة ما قبح من أفعال ذلك العبد ، والبطاقة المتضمّنة لا إله إلّا الله هي نسخة ما حسن من فعله ، فغلب الفعل الحسن المضاف إليه تلك الأفعال السيّئة (٣) ، فهو من حيث فعله الحسن غالب ، ومن حيث فعله القبيح مغلوب.
ومن ارتقى فوق هذا المقام ، رأى أنّ الفعل بالفاعل غلب نفسه ، فإن كمل ذوق المرتقي في هذا المقام ، رأى أنّ جميع (٤) الصفات والأفعال المنسوبة إلى الكون صادرة من الحقّ وعائدة إليه ولكن بالممكنات ، وهي شروط فحسب كالموادّ الغذائيّة الحاملة للمعاني التي بها يحصل التغذّي ، فيصل المطلوب بها إلى الطالب ويتّحد به مع عدم المغايرة ، وتنفصل هي من البين ، فيرتفع البين ، فافهم. وقد بقيت تتمّة تختصّ بالاسم «الرّحمن الرّحيم» (٥) نذكرها ونختم الكلام بها عليهما إن شاء الله (٦) ، فنقول :
حضرات الرحمة
اعلم ، أنّ الحضرات الكلّيّة المختصّة بالرحمة ثلاث : حضرة الظهور ، وحضرة البطون ، وحضرة الجمع. وقد سبق التنبيه عليها في شرح مراتب التمييز ، وفي مواضع أخر أيضا.
__________________
(١) ه : وفي.
(٢) ب : مرتبة و.
(٣) ق : السببية.
(٤) ب : سائر.
(٥) ق : والرحيم.
(٦) ب : الله تعالى.