الأذهان تظهر الأكوان والألوان ، وتتفصّل أحكام الدهر والزمان ، فمستند الأدوار «أكتب علمي في خلقي إلى يوم القيامة» ومستند الآن ومحتده «كان الله ولا شيء معه» وقوله : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) (١) فافهم.
فبالآن تتقدّر الدقائق ، وبالدقائق تتقدّر الدرج ، وبالدرج تتقدّر الساعات ، وبالساعات يتقدّر اليوم ، وتمّ الأمر بهذا الحكم الرباعي والسرّ الجامع بينهما.
فإن انبسطت سمّيت أسابيع وشهورا وفصولا وسنين ، وإلّا كان الزائد على اليوم تكرارا ، كما أنّ ما زاد على السنة في مقام الانبساط تكرار.
ومن تحقّق بالشهود الذاتي ، وفاز بنيل مقام الجمع الأحدي لم يحكم بتكرار ولم ينتقل من حكم الآن إلى الأدوار ؛ فإنّ ربّه أخبره أنّه (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (٢) فلمّا أضاف اليوم إلى الهو ، عرف شهودا وإخبارا أنّه الآن الذي لا ينقسم ؛ لأنّ يوم كلّ مرتبة واسم بحسبه وللهو الذات الوحدة التي تستند إليها المرتبة الجامعة للأسماء والصفات ، ومن هذا المقام يستشرف هذا العبد وأمثاله على سرّ قوله عزوجل : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) (٣) فيعلم الأقرب أيضا ويشهده (٤) وإن لم يكيفه ، فاعلم ، والله المعلّم الهادي.
سرّ (الدِّينِ)
هذه الكلمة لها أسرار كثيرة لا تتشخّص في الأذهان ، ولا تنجلي لأكثر المدارك والأفهام ، إلّا بعد استحضار عدّة مقدّمات عرفانيّة ذوقيّة يجب تقديمها قبل الكلام عليها بلسان التفصيل ، وحينئذ نذكر ما تشتمل عليه من المعاني ـ إن شاء الله تعالى ـ وليست فائدة هذه المقدّمات مقصورة على فهم ما تتضمّنه هذه الكلمة من الأسرار المنبّهة عليها ، بل هي عامّة الفائدة ينتفع بها فيما سبق من الكلام وما يذكر من بعد وفيما سوى ذلك.
وإذا عرفت هذا ، فنقول : اعلم ، أنّ الصفات والنعوت ونحوهما تابعة للموصوف والمنعوت بها بمعنى أنّ إضافة كلّ صفة إلى موصوفها إنّما تكون بحسب الموصوف ،
__________________
(١) الحديد (٥٧) الآية ٤.
(٢) الرحمن (٥٥) الآية ٢٩.
(٣) القمر (٥٤) الآية ٥٠.
(٤) ق : شهده.