وصل من هذا الأصل
اعلم ، أنّ أهمّ ما يجب ذكره وبيانه من هذه التقاسيم كلّها هو أفعال المكلّفين ، المضمون لهم عليها الجزاء وهم الثقلان ؛ وللحيوانات في ذلك مشاركة من جهة القصاص لا غير ، وليس لها ـ على ما ورد ـ جزاء آخر ثابت مستمرّ الحكم. وأمّا الجنّ فنحن وإن كنّا (١) لا نشكّ في أنّهم يجازون على أفعالهم ، لكن لا نتحقّق أنّهم يدخلون الجنّة ، وأنّ المؤمن منهم يجازى على ما عمل من خير في الآخرة ؛ فإنّه لم يرد في ذلك نصّ ، ولا يعرف من جهة الذوق في هذه المسألة ما يوجب الجزم ، فقد يجنون ثمرة خيرهم في غير الجنّة ، حيث شاء الله. وأمّا الإنسان فعليه مدار الأمر وهو محلّ تفصيل الحكم.
فنقول : فعله لا يخلو إمّا أن لا يقصد به مصلحة مّا ، فهو المسمّى عبثا ، وقد سبق التنبيه عليه وعلى أنّه غير مقصود للحقّ في نفس الأمر ، وإمّا أن يكون مقصودا ومتعلّقا بأمر هو غايته ، وذلك الأمر إمّا أن يكون الحقّ أو ما منه.
فما متعلّقه الحقّ ، فإنّ مجازاته سبحانه عليه تكون بحسب عنايته بالعبد الذي هذا شأنه ، وبحسب علم العبد بربّه ، الذي لا يطلب بما يفعله شيئا سواه ، وبحسب اعتقاده فيه ، وحضوره معه حين الفعل من حيث العلم والاعتقاد ، ولهذا المقام أسرار يحرم كشفها.
وما من الحقّ يتعلّق تفصيله بأربع مقامات : مقام الخوف ، ومقام التقوى ، ومقام الرجاء ، ومقام حسن الظنّ.
وهذه المقامات تابعة لمقامات المحبّة ؛ فإنّ الباعث على الفعل هو الحكم الحبّي ،
__________________
(١) ق : لا توجد.