وكلّ فعل فلا يتعدّى مرتبة الصفة الغالبة ، الظاهرة الحكم فيه حين تعيّنه من فاعله.
والشرط في تعدّي الأفعال الحسنة وحكمها من الدنيا إلى الآخرة أمران هما الأصلان في باب المجازاة ودوام صور الأفعال من حيث نتائجها ، أحدهما : التوحيد ، والآخر : الإقرار بيوم الجزاء ، وأنّ الربّ الموجد (١) هو المجازي ، فإن لم يكن الباعث على الفعل أمرا إلهيّا كليّا ، أو معيّنا تابعا للأصلين وناتجا عنهما ، فإنّ الصورة المتشخّصة في العالم العلوي ، المتكوّنة (٢) من فعل الإنسان لا تتعدّى السدرة ، ولا يظهر لها حكم إلّا فيما دون السدرة خارج الجنّة ، في المقام الذي يستقرّ فيه فاعله آخر الأمر ، هذا إن كان فعلا حسنا.
وإن كان سيّئا ، فإنّه ـ لعدم صعوده وخرقه عالم العناصر ـ يعود ، فتظهر نتيجته للفاعل سريعا ، وتضمحلّ وتفنى أو تبقى في السدرة ؛ لما يعطيه سرّ الجمع الكامن في النشء الإنساني وما تقتضيه دار الدنيا ، الجامعة لأحكام المواطن كلّها. فإذا كان يوم الحشر ، ميّز الله الخبيث من الطيّب ، كما أخبر : (وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ) (٣) الآية. وهذه صفة أفعال الأشقياء الذين لا يصعد لهم عمل حسن على اختلاف مراتبهم. والسرّ في ذلك أمران :
أحدهما : أنّ للكثرة (٤) حكم الإمكان كما بيّنّا ولا بقاء لها ولا وجود إلّا بالتجلّي الوجودي الأحدي والحكم الجمعي ، فأيّ موجود لم يعقل استناده إلى أحديّة المرتبة الإلهيّة ، تلاشت أحكام كثرته وآثارها ، ولم تبق ؛ لعدم الاستناد إلى المرتبة التي بها يحفظ الحقّ ما يريد حفظه ، ولو لا انسحاب حكم ميثاق «ألست» ونفوذه بالسرّ الأوّل ، لتلاشى هو بالكلّيّة.
والأمر الآخر فيما ذكرنا يتضمّن (٥) أسرارا غامضة جدّا ، يجب كتمها ، فأبقيناها في خزائن غيبها ، يظهرها الحقّ لمن شاء كيف شاء.
وأمّا الموحّدون ومن يكون فعله تابعا للأمر الإلهي الكلّي والجزئي المعيّن ، فإنّ صور أفعاله تنصبغ ـ كما قلنا ـ بصفة علمه ، ويسري فيها روح قصده ، ويحفظها الحقّ عليه من حيث رحمته وإحصائه بموجب حكم ربوبيّته.
__________________
(١) في بعض النسخ : الموحّد.
(٢) ق : المنكوبة.
(٣) الأنفال (٨) الآية ٣٧.
(٤) ق ، ه : الكثرة.
(٥) ه : تتضمّن.