وصل من هذا الأصل
اعلم ، أنّ الأحكام الأصليّة المشروعة ـ أعني الوجوب والندب والتحريم والكراهة والإباحة ـ منسحبة على سائر أفعال المكلّفين ، فلا يمكن أن يصدر من المكلّف فعل من الأفعال ـ كائنا ما كان ـ ولا أن يكون في حال من الأحوال إلّا وللشرع فيه حكم من إحدى هذه المراتب الخمس (١) وسواء كان الفعل ممّا تعيّنت له صورة في الأوامر والنواهي المشروعة ، كقوله تعالى : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) (٢) وكقوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) (٣) وغيرهما من الأمور المعيّنة بالذكر والمقيّدة بالشرط ، كالحال والوقت ونحوهما من الشروط. أو كانت مندرجة الذكر في ضمن أصل كلّي شامل الحكم ، مثل قوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (٤) إلى آخر السورة ، وكقوله تعالى : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) (٥) وكقوله عليهالسلام : «في كلّ ذي كبد رطبة أجر» ونحو ذلك ممّا أجمل ذكره في الكتاب العزيز والأحاديث النبويّة.
ومبدأ ظهور جميع الأفعال ، الإنسانيّة من حيث نشأته الطبيعيّة العنصريّة وهو باطن القلب ، لكن شروع الفاعل في فعل أيّ أمر كان ، متوقّف على داعية تتشخّص في قلبه ، تبعثه على بعض الأفعال ، وترجّحه على غيره من الأفعال وعلى الترك.
وتشخّص هذه الداعية في القلب ، وتعيّن البواعث الموجبة لصدور الأفعال من الفاعلين ،
__________________
(١) كان في الأصل : وسواء.
(٢) البقرة (٢) الآية ٤٣.
(٣) الإسراء (١٧) الآية ٣٣.
(٤) الزلزلة (٩٩) الآية ٧.
(٥) النساء (٤) الآية ١٢٣.