وأمّا حكم من نزل عن هذه الدرجة والمقام من الخلق ـ كائنا من كان ـ فبحسب قربه وبعده من المقام وزنا بوزن ، لا ينخرم ولا يختلّ ؛ فإنّ ذلك من سنّة الله (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) (١).
فإذا عرفت هذا ، فاعلم ، أنّ الأحكام التقييدية إن انضافت إلى الوجود من جهة (٢) مرتبة موجود مّا من أربعة أوجه مثلا أو خمسة ، حتى اقتضى كلّ وجه منها حكما وتعيين وصف وحال خاصّ ، لم تكن تنضاف إلى الوجود بدونه ؛ فإنّ حكم التكليف يظهر فيه وينفذ من حيث تلك الوجوه الخمسة وبحسبها ، وتقلّ الأحكام التكليفيّة وتكثر بحسب الوجوه التي للممكن وما تعطى من الآثار المضافة إلى الوجود. وسبب كثرة الوجوه هو تضاعف أحكام الإمكان ، لكن بالنسبة إلى كلّ ممكن كثرت الوسائط بينه وبين موجده ؛ لنقص (٣) القبول وقصور الاستعداد الذاتي ، لا للجمع والاستيعاب ؛ فإنّ الإنسان من حيث صورته أكثر الموجودات وسائط من حيث سلسلة الترتيب ، وآخرها ظهورا ، لكن إنّما كان ذلك ليجمع سرّ كلّ واسطة ، ويحيط بحكم ما اشتملت عليه الدائرة ، وينختم به من حيث إنّه آخر مستمدّ مع أنّه عن (٤) مرتبة يحصل المدد للقلم الأعلى ، الذي هو أوّل ممدّ من الوسائط بعد الحقّ ، فافهم. وهنا تفصيل يطول ذكره.
ولمّا كانت مراتب الموجودات من الوجه الكلّي تنحصر في خمس مراتب كلّ مرتبة منها تقتضي أحكاما شتّى ـ كما أسلفنا ـ لذلك كانت أصول التكاليف خمسة ، فالخمسة التي تختصّ (٥) بالمكلّف هو : حكم عينه الثابتة من حيث تميّزها في علم الحقّ أزلا ، وحكمه من حيث روحانيّته ، (٦) وحكمه من حيث صوره ونشأته الطبيعيّة وما يختصّ بها ، وحكمه من حيث العماء باعتبار سريانه في المراتب المذكورة ، والحكم الخامس من حيث معقوليّة الأمر الجامع بين هذه الأربعة باعتبار الهيئة المعنويّة ، الحاصلة من الاجتماع المذكور وذلك هو حكم مقام أحديّة الجمع ، فافهم.
__________________
(١) الأحزاب (٣٣) الآية ٦٢.
(٢) ه : جمة.
(٣) ق : لينقص.
(٤) ه : من.
(٥) ه : يختصّ.
(٦) ه : روحانية.