وصل
تهافت الأدلّة النظريّة
اعلموا أيّها الإخوان ـ تولّاكم الله بما تولّى به عباده المقرّبين ـ أنّ إقامة الأدلّة النظريّة على المطالب ، وإثباتها بالحجج العقليّة على وجه سالم من الشكوك الفكريّة والاعتراضات الجدليّة متعذّر ؛ فإنّ الأحكام النظريّة تختلف بحسب تفاوت مدارك أربابها ، والمدارك تابعة لتوجّهات المدركين ، والتوجّهات تابعة للمقاصد التابعة لاختلاف العقائد والعوائد والأمزجة والمناسبات ، وسائرها تابع في نفس الأمر لاختلاف آثار التجلّيات الأسمائيّة المتعيّنة والمتعدّدة في مراتب القوابل ، وبحسب استعداداتها ، وهي المثيرة (١) للمقاصد ، والمحكمة للعوائد والعقائد التي يتلبّس بها ، ويتعشّق نفوس أهل الفكر والاعتقادات عليها ؛ فإنّ التجلّيات في حضرة القدس وينبوع الوحدة وحدانيّة النعت ، هيولانيّة الوصف لكنّها تنصبغ عند الورود بحكم استعدادات القوابل ومراتبها الروحانيّة والطبعيّة ، (٢) والمواطن والأوقات وتوابعها ، كالأحوال والأمزجة والصفات الجزئيّة ، وما اقتضاه حكم الأوامر الربانيّة ، المودعة بالوحي الأوّل الإلهي في الصور العلويّة وأرواح أهلها والموكّلين بها ، فيظنّ لاختلاف الآثار أنّ التجلّيات متعدّدة بالأصالة في نفس الأمر ، وليس كذلك.
ثمّ نرجع ونقول : فاختلف للموجبات المذكورة أهل العقل النظري في موجبات عقولهم ، ومقتضيات أفكارهم وفي نتائجها ، واضطربت آراؤهم ، فما هو صواب عند شخص هو عند غيره خطأ ، وما هو دليل عند البعض هو عند آخرين شبهة ، فلم يتّفقوا في الحكم على شيء
__________________
(١) ب : المشيرة.
(٢) ق : والطبيعة.