وصل
العبادة الذاتيّة ، والصفاتيّة
لتعلم بعد استحضارك ما مرّ أنّ للإنسان عبادتين : عبادة ذاتيّة مطلقة ، وعبادة صفاتيّة مقيّدة.
فالذاتيّة : قبول شيئيّته الثابتة المتميّزة في علم الحقّ أزلا للوجود (١) الأوّل من موجده ، وإجابته لندائه ، وامتثاله للأمر التكويني المتعيّن ب «كن» وهذه العبادة مستمرّة الحكم من حال القبول الأوّل والإجابة والنداء المشار إليه لا إلى أمد متناه ، فإنّه من حيث عينه ومن حيث كلّ حال من أحوالها مفتقر إلى الموجد دائما ، لانتهاء مدّة الوجود المقبول في النفس الثاني من زمان تعيّنه وظهوره ، والحقّ ممدّه دائما بالوجود (٢) المطلق المتعيّن والمتخصّص بقبول الإنسان من الأسماء وغيره من الممدودين به ، والحركات والأفعال التي لا تعمّل للإنسان فيها والأنفاس أيضا من لوازم هذا القبول ومن جملة صور هذه العبادة.
والعبادة المقيّدة الصفاتيّة تختصّ بكلّ ما يظهر عن ذات العابد من حيث حكم صفاته أو خواصه أو لوازمه من حال أو زمان معيّن ذي بداية ونهاية وغيرهما.
وتختصّ بهذه العبادة أيضا عبوديّة الأسباب الكونيّة ، وتفاوت الخلق فيها ، بحسب غلبة أحكام الصفات على حكم الذات وحكم ما يناسبها ـ أعني الصفات ـ من الأمور المؤثّرة في الإنسان الذي هو منفعل لها ، ومنجذب بالقهر ـ الذي هو الاستعباد في الحقيقة ـ إليها ، فإنّك عبد ما انفعلت له وظهر عليك سلطانه ، ولهذا قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : «تعس عبد الدينار ، تعس عبد
__________________
(١) ق ، ه : الوجود.
(٢) ق : بوجوده.