وصل
من لسان الجمع والمطلع وبه نختم الكلام
على هذا القسم الثاني بعون الله ومشيئته
اعلم ، أنّ الله لمّا خلق الخلق لعبادته ـ كما أخبر ـ وهبهم من وجوده وصفاته ما قدّر لهم قبوله ، فعبدوه به ؛ إذ لا يصحّ أن يعبدوه بهم على جهة الاستقلال ، لأنّهم من حيث هم لا وجود لهم ، ولا يتأتّى منهم عبادة ، ولهذا شرع لهم أن يقولوا بعد قولهم : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) قولهم : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) لعدم الاستقلال. فانبعثوا عند هذا التنبيه طالبين منه المعونة على عبادته ، كما كان القبول منهم لوجوده حالة الإيجاد معونة لاقتداره سبحانه وتعالى. فإنّه لو لا مناسبة ذاتيّة غيبيّة أزليّة يشهدها الكمّل المقرّبون ، ما صحّ ارتباط بين الربّ والمربوب ، ولا أمكن إيجاد ؛
فالإيجاد خدمة وعبادة بصورة إحسان ، والعبادة إيجاد لصور أعيان أعمال ، وتسوية إنشاء ، وإحياء لنشآت العبادة ، ليرجع إلى المنشئ ممّا ظهر وانتشأ به كمال لم يكن ظاهرا من قبل ، كظهوره بعد الإنشاء ، فكذلك الأمر في الطرف الآخر ؛ فإنّه لو لا ظهور آثار الأسماء ، ما عرف كمالها ، ولو لا المرائي المتعيّنة في المرآة الجامعة ـ التي هي مجلى (١) ـ ما امتاز من غيب الذات ، و [لو لا] التي ظهر فيها كوامن التعدّدات (٢) الحالية ، المستجنّة في غيب الذات
__________________
(١) ق : محلّ.
(٢) ق : المتعدّدات.