بالأحوط ، وإصابة بعض الناس في أفكاره ؛ لسلامة فطرته في كثير من الأمور ، وبعضهم مطلقا في جميعها بتأييد إلهي خصّ به دون كسب لا تنافي احتياج الغير إليه ؛ ونظير هذا ، الشاعر بالطبع وبالعروض ، والبدويّ المستغني عن النحو بالنسبة إلى الحضريّ (١) المتعرّب.
مذهب المحقّقين
ونحن نقول بلسان أهل التحقيق : إنّ القليل الذي قد اعترفتم (٢) باستغنائه عن ميزانكم لسلامة فطرته وذكائه نسبته إلى المؤهّلين للتلقّي من جناب الحقّ والاعتراف من بحر جوده ، والاطّلاع على أسرار وجوده في القلّة وقصور الاستعداد ، نسبة الكثير المحتاج إلى الميزان.
فأهل الله هم القليل من القليل ، ثم إنّ العمدة عندهم في (٣) الأقيسة البرهان وهو : إنّي ، ولمّي (٤) ـ وروح البرهان وقطبه هو الحدّ الأوسط. واعترفوا بأنّه غير مكتسب ببرهان ، وأنّه من باب التصوّر لا التصديق.
فيتحصّل (٥) ممّا ذكرنا : (٦) أنّ الميزان أحد جزءيه غير مكتسب ، وأنّ المكتسب منه إنّما يحصل بغير المكتسب ، وأنّ روح البرهان ـ الذي هو عمدة الأمر والأصل الذي يتوقّف تحصيل العلم المحقّق عليه في زعمهم ـ غير مكتسب ، وأنّ من الأشياء ما لا ينتظم على صحّتها وفسادها برهان سالم من المعارضة ، بل يتوجّه عليه إشكال يعترف به الخصم. ومع ذلك فلا يستطيع أن يشكّك نفسه في صحّة ذلك الأمر هو وجماعة كثيرة سواه ، وهذا حال أهل الأذواق ومذهبهم حيث يقولون : إنّ العلم الصحيح موهوب غير مكتسب.
وأمّا المتحصّل لنا بطريق التلقّي من جانب (٧) الحقّ وإن لم يقم عليه البرهان النظري ؛ فإنّه لا يشكّكنا فيه مشكّك ، ولا ريب عندنا فيه ولا تردّد ، ويوافقنا عليه مشاركون من أهل الأذواق ، و [أمّا] أنتم فلا يوافق بعضكم بعضا إلّا لقصور بعضكم عن إدراك الخلل الحاصل في
__________________
(١) ه : الحضرمي.
(٢) ق : عرفتم.
(٣) ه : أقيسة.
(٤) ق : لمّي وانّي.
(٥) ق : فينحلّ.
(٦) ق : ذكر.
(٧) ق : جناب.