وصل من هذا الأصل
لا شرف في التجلّي المطلق
اعلم ، أنّ في التخصيص المتعلّق بالصراط المستقيم أسرارا منها : أنّ الحقّ لمّا كان محيطا بكلّ شيء وجودا وعلما ، ومصاحبا كلّ شيء بمعيّة ذاتيّة مقدّسة عن المزج والحلول والانقسام وكلّ ما لا يليق بجلاله ، كان سبحانه منتهى كلّ صراط ، وغاية كلّ سالك ، كما أخبر سبحانه بقوله ـ بعد قوله : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ـ : (صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) ، (١) فنبّه أنّ مصير كلّ شيء إليه : وكلّ من الأشياء يمشي على صراط ، إمّا معنويّ أو محسوس بحسب سالكه ، والحقّ غايته كما قال : (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) (٢) فعرّف سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآله ليعرّفنا ، فقال له : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣) منها بالنسبة إلى غيرها ، فهو تعالى غاية السائرين ، كما أنّه دلالة الحائرين ، لكن لا شرف في مطلقاته التي يرتفع فيها التفاوت ، كمطلق خطابه ومطلق معيّته ومصاحبته ، ومطلق الانتهاء إليه من حيث إحاطته ، ومطلق توجّهه الذاتي والصفاتي معا للإيجاد ؛ فإنّه لا فرق بين توجّهه إلى إيجاد العرش والقلم الأعلى وبين توجّهه إلى إيجاد النملة من حيث أحديّة ذاته ومن حيث التوجّه.
ومن صار حديد البصر ؛ لاتّحاد بصره ببصيرته وانصباغهما بالنور الذاتي الإلهي (٤) (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) ، (٥) وهكذا الأمر في معيّته الذاتيّة وصحبته ؛ فإنّه مع
__________________
(١) الشورى (٤٢) الآية ٥٢ و ٥٣.
(٢) آل عمران (٣) الآية ٢٨.
(٣) الشورى (٤٢) الآية ٥٢.
(٤) في بعض النسخ : الذاتي بدون «الإلهي».
(٥) الملك (٦٧) الآية ٣.