فصل في وصل
في مراتب الهداية
اعلم ، أنّ الصراط المستقيم له ثلاث مراتب : مرتبة عامّة شاملة وهي الاستقامة المطلقة ، التي سبق التنبيه عليها ولا سعادة تتعيّن بها.
ومرتبة وسطى ، وهي مرتبة الشرائع الحقّة الربانيّة المختصّة بالأمم السالفة من لدن آدم إلى بعثة محمّد صلىاللهعليهوآله.
والمرتبة الثالثة مرتبة شريعتنا المحمّديّة الجامعة المستوعبة ، وهي على قسمين : القسم الواحد ما انفرد به واختصّ دون الأنبياء. والقسم الآخر ما قرّر في شرعه من أحكام الشرائع الغابرة.
والاستقامة فيما ذكرنا الاعتدال ، ثم الثبات عليه ، كما قال صلىاللهعليهوآله في جواب سؤال الصحابي منه الوصيّة : «قل آمنت بالله ثم استقم» (١) وهذه حالة صعبة عزيزة جدّا ، أعني التلبّس بالحالة الاعتداليّة الحقّة ، ثم الثبات عليها ، ولهذا قال صلىاللهعليهوآله : «شيّبتني سورة هود وأخواتها» (٢). وأشار إلى قول الحقّ له حيث ورد : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) (٣) فإنّ الإنسان من حيث نشأته وقواه الظاهرة والباطنة يشتمل على صفات وأخلاق وأحوال وكيفيّات طبيعيّة (٤) وروحانيّة ، ولكلّ منها طرفا إفراط وتفريط والواجب معرفة الوسط من كلّ ذلك ، ثم البقاء عليه ، وبذلك وردت الأوامر الإلهيّة ، وشهدت بصحّته الآيات الظاهرة والموجودات العينيّة ،
__________________
(١) جامع المسانيد ، ج ٥ ، ص ٣٢١.
(٢) كشف المحجوب ، ص ٥١٥.
(٣) هود (١١) الآية ١١٢.
(٤) ق : طبيعة.