وصل من هذا الأصل
بين طلّاب المعرفة والحقائق العلويّة
اعلم أنّ لكلّ حقيقة من الحقائق المجرّدة البسيطة المظهرة التي (١) تعيّن الموارد المتعيّنة بها ـ سواء كانت من الحقائق الكونيّة أو ممّا ينسب إلى الحقّ بطريق الاسميّة والوصفيّة ونحوهما ـ لوازم ووجوها وخواصّ ، وتلك الصفات وما ذكر من أحكام الحقائق ونسبها فبعضها خواصّ ولوازم قريبة وبعضها [لوازم] بعيدة ، فكلّ طالب معرفة حقيقة ـ [كائنة] ما كانت ـ لا بدّ وأن يكون بينه وبينها مناسبة من وجه ، ومغايرة من وجه ، فحكم المغايرة يؤذن بالفقد المقتضي للطلب ، وحكم المناسبة يقتضي الشعور بما يراد معرفته. والإنسان من حيث جميعه مغاير لكلّ فرد من أفراد الأعيان الكونيّة ، ومن حيث كونه نسخة من مجموع الحقائق الكونيّة والأسمائيّة يناسب الجميع ، فمتى طلب معرفة شيء فإنّما يطلبه بالأمر المناسب لذلك الشيء منه لا بما يغايره ؛ إذ لو انتفت المناسبة من كلّ وجه لاستحال الطلب ؛ إذ المجهول مطلقا لا يكون مطلوبا كما أنّ ثبوت المناسبة أيضا من كلّ وجه يقتضي الحصول المنافي للطلب ؛ لاستحالة طلب الحاصل ، وإنّما حصول الشعور ببعض الصفات والعوارض من جهة المناسبة هو الباعث على طلب معرفة الحقيقة التي هي أصل تلك الصفة المشعور بها أوّلا.
فتطلب النفس أن تتدرّج من هذه الصفة المعلومة أو اللازم أو العارض ، وتتوسّل (٢) بها إلى معرفة الحقيقة التي هي أصلها ، وغيرها من الخواصّ والعوارض المضافة إلى تلك الحقيقة.
__________________
(١) ق : عن.
(٢) ه : نتوسّل.