تتمّة الكلام على هذه الآية بمقتضى الوعد السابق
لا شكّ أنّ لك مستندا في وجودك ، ولا شكّ أنّه أشرف منك ، وسيّما من حيث استنادك إليه ؛ فإنّ الرتبة الأولى لها الفعل والغنى ، وللثانية الفقر والانفعال ، فأشرف توجّهاتك نحو مستندك وأشرف أحوالك ـ من حيث سيرك إليه وقصدك له للقرب منه ، والاحتظاء به ، معرفة وشهودا ومكانة وتمكينا ـ أن تقصده بقلبك الذي هو أشرف ما فيك ، فإنّه المتبوع لجملتك بتوجّه مطلق جملي ، لا من حيث نسبة أو اعتبار معيّن علمي أو شهودي أو اعتقادي يستلزم حكما بنفي أو إثبات بصورة جمع أو (١) فرق وسواهما من الاعتبارات المتفرّعة على النفي والإثبات ، كالتنزيه والتشبيه وغيرهما ممّا هو تابع لهما ، ما عدا النسبة الواحدة التي لا يصحّ سير ولا توجّه ولا رجاء ولا طلب بدونها ، وهي نسبة تعلّقك به وتعلّقه بك. أو قل : تعقّله لك وتعقّلك له من حيث تعيّنه في علمك أو اعتقاد لك (٢) ولو ارتفعت هذه النسبة كباقي الاعتبارات ، لم يصحّ السلوك ، ولا الاستناد ولا غيرهما ، ولا تظنّنّ أنّ هذا الحال إنّما هو بالنسبة إلى المحجوب فقط ، بل ذلك ثابت في حقّ العارف المشاهد أيضا ؛ فإنّه ـ ولو بلغ أقصى درجات المعرفة والشهود ـ لا بدّ وأن يبقى معه اعتبار مبق للتعدّد علما لا عينا ، ولو لا ذلك الاعتبار ، لم تثبت مرتبة شاهد ولا مشهود ولا شهود ، ولا كان سير ولا طلب ، ولا بداية ولا غاية ولا طريق ، ولا فقر ولا تحصيل ، ولا توقّع ولا وصول ولا لسان ولا بيان ، ولا رشد ولا رشاد ، ولا ضالّ ولا هاد ، (٣) ولا غير ذلك ولا «من هنا» ولا «إلى هنالك» ، فافهم.
__________________
(١) ق : و.
(٢) ق : اعتقادك.
(٣) في بعض النسخ : ولا هادي.