تعيّن له من نفسك الأمر المقابل والمماثل له من نسخة وجودك ، فنسبة ذلك الأمر إلى ما تعيّنت نسبة منك نسبة التعيّن إلى المتعيّن ، فإذا قابلت التعيّن بتعيّن مثله ـ كما بيّن لك ـ ظهر الجزاء الوفاق ، والعدل التامّ ، وما سوى ما تعيّن منك من ذاتك فباق على إطلاقه ، لا صفة له ولا اسم ولا كيفيّة ولا وسم ولا تعيّن ولا رسم ، كما هو الحقّ سبحانه ؛ فإنّه ما تعيّن من ذاته بالنسبة إلى عرصة الألوهة ـ التي هي مرتبته ـ إلّا ما استدعته استعدادات الأعيان المتّصفة بالوجود المنبسط منه وهو ـ من حيث ما عدا ما استدعته وتعيّن بها وبحسبها ـ باق على الطلسة الغيبيّة الذاتيّة ، منزّه عن التقييد بصفة أو اسم أو حكم أو حال أو مرتبة أو رسم ، فافهم ، وسل ربّك أن تتحقّق بذلك لتكون على صورته ، وظاهرا بسورته.
وكلّ حال ـ ينتقل فيها السائرون إلى الله ، الماشون على الصراط المستقيم بنفس تنقّلهم في تلك الأحوال من حال إلى حال ، ومن حكم إلى حكم ، تأثيرا وتأثّرا ـ هو حكم حالك المطلق المذكور ، كما أنّ مرجع الألوان المختلفة التفصيليّة إلى مطلق اللون الكلّي الذي هو أصلها ، فسير (١) هذا اللون المطلق الذي هو المثال نحو الكمال الخصيص (٢) بحقيقته هو بالألوان تنويعا وتفصيلا ، وإتيانا وتوصيلا ، وكمال جميعها في عودها إليه توحّدا وتضوّلا (٣) فالمح ما أشرت إليه ، وأضفه إلى ما سلف من أمثاله تعرف غاية الغايات ، وكيفيّة المشي على الصراط المستقيم الخصوصي ، المتصل بأعلى رتب النهايات ، (٤) حيث منبع السعادات ومشرع الأسماء الإلهيّة والصفات (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَ) (٥) و (يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٦).
قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)
في هذه الآية ممّا يتعيّن بيانه : معنى النعمة العامّة والخاصّة ، ومعنى الغضب والضلال ، ومراتب أرباب هذه الصفات ، فلنبدأ أوّلا بذكر ما يستدعيه ظاهر هذه الآية ، ثم نتعدّى من
__________________
(١) ق : فيسير.
(٢) ق : الحضيض.
(٣) كذا في الأصل.
(٤) ق : الانتهايات.
(٥) الأحزاب (٣٣) الآية ٤.
(٦) يونس (١٠) الآية ٢٥.