وصل بلسان الحدّ والمطلع
توحيد الوجود
اعلم أنّ (١) التمييز للعلم ، والتوحيد للوجود ، لا بمعنى أنّ العلم يكسب المعلوم التميّز بعد أن لم يكن متميّزا ، بل بمعنى أنّه يظهر تميّزه المستور عن المدارك ، لأنّه نور والنور له الكشف ، فهو يكشف التميّزات الثابتة في نفس الأمر.
وتوحيد الوجود هنا عبارة عن انبساطه على الحقائق المتميّزة في علم الموحّد أزلا (٢) ، فيوحّد كثرتها ؛ لأنّه القدر المشترك بين سائرها فيناسب (٣) كلّا منها بذاته الواحدة البسيطة.
وإذا تقرّر هذا ، فاعلم ، أنّ الهداية حكم من أحكام العلم ؛ فإنّه ليس لها إلّا تعيين المستقيم
من المعوجّ ، والصواب من الخطأ ، والضارّ من النافع ، والأسدّ والأولى من كلّ أمرين مرادين لجلب منفعة أو دفع مضرّة ، أو وسيلتين تترجّح (٤) إحداهما بالنسبة إلى الغايات المقصودة والمطالب المتعيّنة عند الطالب والمفقودة الغائبة عنه حال الطلب.
وهذا التعيين ـ المشار إليه المنسوب إلى الهداية ـ ضرب من التمييز ، كما بيّن لك ، فالنعمة المقرون ذكرها ب (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) والتعريف التابع من بعد ب (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) هي : نعمة العدل والإصابة وثمراتهما ، كما بيّن لك من قبل ، ونتمّم (٥) لك بيانه ـ إن شاء الله تعالى ـ والإصابة ثمرة العلم ؛ لأنّ الخطأ ـ على اختلاف مراتبه ـ ثمرة الجهل ، فالأصل فيه العلم
__________________
(١) ه : آن.
(٢) ه : أذلا.
(٣) ه : فتناسب.
(٤) ه : يترجّح.
(٥) ه : يتمّم.