ثم بعد دخوله واتّصاله (١) بنبات صالح مغذّ ربما عرضت له آفة من العناصر من برد شديد ، أو حرّ مفرط ، أو رطوبة زائدة ، أو يبس بالغ (٢) ، فيتلف ويخرج ليستأنف دخولا آخر ، هكذا مرارا شتّى حسب ما شاء الله وقدّره.
ثم على تقدير سلامته أيضا فيما ذكرنا بنعمة الحراسة ونعمة الرعاية وباقي النعم التي يستدعيها فقره ، ربما تمّ في صورة نبات مّا ، لكن تناوله حيوان ولم يقدر للأبوين أكل ذلك الحيوان لمانع من الموانع ، أو منع مانع عن أخذ ذلك النبات وتناوله ؛ لما لم يكن رزق اللذين سبق في علم الله أن يكونا أبويه.
وإذا قدّر مؤاتاة كلّ ما ذكرنا وتناوله الشخصان المتعيّنان في العلم أن يكونا أبويه أو أحدهما ، وصار ذلك النبات كيلوسا ، ثم دما ، ثم منيّا ، فإنّه قد يخرج على غير الوجه الذي يقتضي تكوينه منه ، فهو مفتقر بعد الاتّصال بالأبوين إلى نعمة الحراسة والرعاية وغيرهما.
فإذا تعيّن في الرحم ، فقد تعدّى مراتب الاستيداع وصار مستقرّا في الرحم متطوّرا فيه على الوجه المعلوم عند الجمهور من حيث الشرع ، ومن حيث ظاهر الحكمة ، فيحتاج إلى حراسة أخرى ومعونة ورعاية لحسن الغذاء واعتدال حركات الوالدة وسلامتها من الأمراض والآفات ، وأن يكون انفصاله عنها في وقت صالح سعيد مناسب ، فإنّ لحكم الزمان والمكان حال مسقط النطفة وحال الانفصال عن الوالدة مدخلا كبيرا (٣) في أمر الإنسان من حيث ظاهره وباطنه.
فالمختصّ (٤) بمسقط (٥) النطفة من حكمي المكان والزمان شاهدان على كثير من أحواله الباطنة ، والمختصّان بحال الولادة شاهدان على معظم أحواله الظاهرة وسرّ الابتداء في السلوك إلى جناب الحقّ سبحانه أو إلى ما يرغب الإنسان فيه ويطلب الاستكمال به ينبّه على الأمر الجامع بين الظاهر والباطن.
وجملة الحال أنّه ما من مرتبة من هذه المراتب التي ذكرناها إلّا والإنسان من حيث الخلق التقديري ـ المنبّه عليه بقوله عليهالسلام : «خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي ألف عام». (٦)
__________________
(١) ق : إيصاله.
(٢) ق : غالب.
(٣) ق : كثيرا.
(٤) كذا في الأصل. والظاهر ـ بقرينة الخبر ـ : فالمختصّان.
(٥) ق : يسقط.
(٦) كشف المحجوب ، ص ٣٣٧.