الآخر بالآخر محبّة وكمالا أنسب.
وأمّ أنّ الرضا آخر المنح الكلّيّة الحاصلة من الحقّ للسعداء فالحجّة فيه ظاهر ما (١) ورد : إنّ الله سبحانه إذا تجلّى لعباده في الجنّة وخاطبهم ومنّاهم ولاطفهم وحيّاهم عدّد عليهم نعمه ، ثم سألهم ماذا تريدون؟ فلا يجدون للتمنّي مساغا ، فيقول : قد بقي لكم عندي ، فيتعجّبون ويسألون ، فيقولون : في آخر الأمر : «رضاي عنكم ، فلا أسخط عليكم أبدا» فيجدون لذلك من اللذّة والراحة ما لا يقدّر قدره أحد ، فصحّ أنّ الله سبحانه يختم أمر السعداء بالرضا الذي به كمال نعيمهم ، كما أنّ شهوده روح كلّ نعيم.
مراتب النعيم
واعلم ، أنّ مراتب النعيم أربع : مرتبة حسّية ، وأخرى خياليّة ، وثالثة روحانيّة ، والرابعة السرّ الجامع بينها ، الخصيص بالإنسان وهو الابتهاج الإلهي بالكمال الذاتي ، يسري حكمه في الظاهر والباطن وما ذكر.
ومراتب الآلام أيضا الثلاث (٢) المذكورة ، وهي في مقابلة الاعتدال الحسّي والروحاني والمثالي. والمقابل للابتهاج الرابع هو صفة الغضب. المحدث كلّ ألم وتعب وانحراف في المراتب الثلاث ، وفي الأجسام الطبيعيّة هو الانحراف على اختلاف مراتبه ، فافهم.
وأتمّ مراتب مطلق النعيم رؤية الحقّ على الوجه الذي أنبّهك عليه ، وهو أن يكون الرائي خلقا ، والمرئيّ حقّا ، والذي يرى به (٣) حقّ أيضا ، فهذه ، الرؤية اللذيذة التي لا لذّة فوقها أصلا وما سوى هذه من المشاهدات ، فإمّا دون هذه ، وإمّا التي تفنى ولا لذّة معها. وإلى هذه (٤) أشار صلىاللهعليهوآله بقوله في دعائه ربّه : «وارزقني لذّة النظر إلى وجهك الكريم أبدا دائما سرمدا» ولم يقل : ارزقني النظر إلى وجهك الكريم ، فافهم ، فالشرف والنعيم في العلم ، وإلّا فمجرد الرؤية دون العلم لا يجدي.
ربّ امرئ نحو الحقيقة ناظر |
|
برزت له ، فيرى ويجهل ما يرى |
__________________
(١) ق ، ه : أمّا.
(٢) أي : حسية وخيالية وروحانية وفي بعض النسخ : الثلاثة.
(٣) ربّه.
(٤) ق : هذا.