الخارج ، مع نقص (١) عزائمه في أكثر ما يتوخّاه ، وشظف (٢) العيش ، أعاذنا الله من ذلك.
مراتب الرضا الإنساني
ثم نرجع ونقول : واعلم ، أنّ للرضا (٣) المثمر للنعم والتنعّم بها في عرصة أحوال الإنسان أيضا ثلاث مراتب ، كما هو الأمر في جانب الحقّ.
فأوّل درجاته فيه رضاه من حيث الباطن عن عقله ، وما زيّن له من الأحوال والأعمال التي يباشرها ، هذا عموما وأخصّ منه ما ورد من ذكر المؤمن له : رضيت بالله ربّا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلىاللهعليهوآله نبيّا ، ومن حيث الظاهر رضاه عن ربّه بما تعيّن له منه من صور الأعمال والأحوال الظاهرة ، التي يتقلّب فيها في حياته الدنيا ومعاشه ، دون قلق مزعج (٤) يتمرّر به العيش ، لا أنّه يطمئنّ ويسكن دون تمنّ وتشهّ (٥) ؛ فإنّ ذلك من أحكام المرتبة الثانية ، وإنّما أعني ما عليه أكثر الناس من أهل الحرف والصنائع وأمثالهما.
وأمّا الرتبة الثانية من الرضا المقرون (٦) بقوّة الإيمان وارتفاع التهمة من جانب الحقّ فيما وعد وأخبر عاجلا في أمر الرزق ، وباقي المقدورات التي الإنسان (٧) بصدد التلبّس بها ، المتكرّر بيانها (٨) في الكتاب والسنّة ، والمجمل في قوله تعالى : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) (٩) فإنّه من عرف أنّ الله أرأف به من نفسه ، وأعرف بمصالحه ، وأشدّ رعاية لها منه ، ويرى دقائق ألطافه ، وحسن معاملته معه ، وما له عليه من النعم التي لا تحصى ممّا حرمها غيره ، فإنّه يرضى عنه وعمّا يفعله معه وإن تألّم طبعه ، فذلك لا يقدح ، وإنّما المعتبر في هذا نفسه القدسيّة ؛ فإنّ الرضا ليس من صفات الطبع.
وأتمّ حال يكون عليه أحد من أهل هذه المرتبة الثانية أن يقرّر في نفسه ـ إذ لا يخلو في
__________________
(١) ه : نقض.
(٢) أي : ضيقه.
(٣) ق : الرضا.
(٤) ه : مرعج.
(٥) ه : تشة.
(٦) ه : مقرون.
(٧) ق : للإنسان.
(٨) ه : بيانه.
(٩) الحديد (٥٧) الآية ٢٢.