وصل في بيان سرّ الحيرة الأخيرة ودرجاتها وأسبابها
اعلم ، أنّ الإنسان إذا تعدّى كلّ ما ذكرناه ، واستخلصه الحقّ لنفسه ، واستصلحه لحضرة أحديّة جمعه وقدسه من جملة ما يطلعه عليه كلّيّات أحكام الأسماء والصفات المضافة إلى الكون والمضافة إليه سبحانه ، والقابلة للحكمين ، فمن جملة ما يشاهده في هذا الإطلاع المشار إليه الكمال الإلهي المستوعب كلّ اسم وصفة وحال ، كما أشرت إليه الآن ، وعلى ما ستعرفه أو تفهم (١) عن قريب ـ إن شاء الله تعالى ـ ، فيرى أنّ الصفات ـ الظاهرة الحسن والخفيّ حسنها ـ كلّها له وإليه مرجعها ، وأنّها ـ من حيث هي له ـ حسنة كلّها عامّة الحكم ، لا يخرج عن حيطتها أحد ، فإنّه سبحانه كما أنّه محيط بذاته ، كذلك هو محيط بصفاته.
وهذا الوصف المتكلّم فيه ـ أعني الحيرة ـ من جملة الصفات ، وقد نبّهت الحقيقة بلسان النبوّة على أصلها في الجناب الإلهي بقوله «ما تردّدت في شيء أنا فاعله تردّدي في قبض نسمة عبدي المؤمن» الحديث ، وقد ذكرته من قبل ، فعرّفنا أنّ ثمّة تردّدات كثيرة هذا أقواها ، فافهم.
ولهذا نسب الإضلال سبحانه إليه بقوله : (يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (٢) ، وتسمّى به.
والفاتح لسرّ عموم حكمه ، وأمثاله ما ذكرناه من أنّ الهداية والضلال (٣) و (٤) أمثالهما من الصفات المتقابلة إنّما تثبت بالنسبة والإضافة ، فكلّ فرقة ضالّة بالنسبة إلى الفرقة المخالفة
__________________
(١) ق : تفهمه.
(٢) المدّثّر (٧٤) الآية ٣١.
(٣) ق : الضلالة.
(٤) ه : لم يرد.