والصورة : عبارة عمّا لا تعقل تلك الحقائق الأول ولا تظهر إلّا بها ، وهي ـ أعني الصورة ـ أيضا اسم مشترك يطلق على حقيقة كلّ شيء ـ جوهرا كان أو عرضا ، أو ما كان ـ وعلى نفس النوع والشكل والتخطيط أيضا حتّى يقال لهيئة الاجتماع : صورة ، كصورة الصفّ والعسكر ، ويقال : صورة للنظام المستحفظ كالشريعة. ومعقوليّة الصورة في نفسها حقيقة مجرّدة كسائر الحقائق.
وإذا عرفت هذا في الصور المشهودة على الأنحاء المعهودة ، فاعرف مثله في المسمّى مظهرا إلهيّا ؛ فإنّ التعريف الذي أشرت إليه يعمّ كلّ ما لا تظهر الحقائق الغيبيّة من حيث هي غيب إلّا به.
وقد استبان لك من هذه القاعدة ـ إن تأمّلتها حقّ التأمّل ـ أنّ الظهور والاجتماع ، والإيجاد والإظهار والاقتران والتوقّف والمناسبة ، والتقدّم والتأخّر والهيئة ، والجوهريّة والعرضيّة والصوريّة ، وكون الشيء مظهرا أو ظاهرا ، أو متبوعا أو تابعا ، ونحو ذلك كلّها معان مجرّدة ، ونسب معقولة. وبارتباط بعضها بالبعض وتألّفها بالوجود الواحد الذي ظهرت به لها كما قلنا يظهر للبعض على البعض تفاوت في الحيطة والتعلّق والحكم ، والتقدّم والتأخّر ، بحسب النسب المسمّاة فعلا وانفعالا ، وتأثيرا وتأثّرا ، وتبعيّة ومتبوعيّة ، وصفة وموصوفيّة ، ولزوميّة وملزوميّة ، ونحو ذلك ممّا ذكر. (١) ولكن وجود الجمع (٢) وبقاؤه إنّما يحصل بسريان حكم الجمع الأحدي الوجودي الإلهي ، المظهر لها والظاهرة الحكم في (٣) حضرته ، بسرّ أمره وإرادته.
تعذّر معرفة الحقائق المجرّدة
وبعد أن تقرّر هذا ، فاعلم أنّ معرفة حقائق الأشياء من حيث بساطتها وتجرّدها في الحضرة العلميّة الآتي حديثها متعذّرة ، وذلك لتعذّر إدراكنا شيئا من حيث أحديّتنا ؛ إذ لا تخلو من أحكام الكثرة أصلا. وأنّا (٤) لا نعلم شيئا من حيث حقائقنا المجرّدة ، ولا من حيث
__________________
(١) ق : ذكرنا.
(٢) ه : الجميع.
(٣) ق : هي في.
(٤) ق : فإنّا.