وصل آخر
في بيان أقوى أسباب الحيرة الأخيرة
التي للأكابر وأسرارها بلسان ما بعد المطلع
اعلم ، أنّه قد ذكر لك أنّ الإنسان فقير بالذات ، وأنّه دائما طالب ومتوجّه إلى ربّه من حيث يدري ومن حيث لا يدري ، وخصوصا أهل طريق الله ، فإنّهم طالبون بالذات والفعل والحال.
فمن تعيّنت له منهم وجهة ظاهرة مقيّدة بجهة (١) من الجهات ، أو باطنة في أمر مّا من المعقولات ، أو تقيّد طلبه (٢) للحقّ إن زعم أنّه من طالبيه بحسب علم عالم ، أو اعتقاد معتقد ، أو شهود مشاهد ، أو من حيث اعتبار مميّز ، أو أمر مّا معيّن كائنا ما كان ، فهو ممّن استشعرت نفسه بغايته ، وممّن يكون له الرأي (٣) عند الفتح ، وممّن يضعف حكم الحيرة المنبّه عليها فيه ، أو تكاد تزول ممّن يأخذ أو يترك ، ويقبل ويعرض ، ويختار ويرجّح.
ومن لم يبق له في العالم ـ من كونه عالما ـ رغبة ، بل ولا في حضرة الحقّ ؛ لأجل أنّها مصدر للخيرات ، وسبب لتحصيل المرادات ، وتعدّي مراتب الأسماء والصفات ، وممّا (٤) ينضاف إليها من الأحكام والآثار والتجلّيات واللوازم التابعة لها من النسب والإضافات ، فلم يتعيّن له الحقّ في جهة معنويّة أو محسوسة من حيث الظاهر أو الباطن بحسب العلوم
__________________
(١) ق : لجهة.
(٢) ق : طالبه.
(٣) الري.
(٤) كذا في الأصل. والظاهر «وما».