وصل أعلى منه وأجلى وأكشف للسرّ فرعا وأصلا
اعلم ، أنّ الوجود المحض من حيث هو لا يكون مرئيّا ولا متعيّنا ولا منضبطا ، وأعيان الممكنات ـ سواء قيل فيها : إنّها عين الأسماء ، أو حكم بأنّها غيرها ـ فإنّها ـ من حيث هي أعيان مجرّدة ـ لا يتعلّق بها إدراك أصلا ، ولا تنضبط إلّا من حيث التصوّر الذهني ، وتعيّنها في الذهن عارض ؛ إذ ليس هو نفس تعيّنها الأزلي في علم الحقّ ، فإنّ ذلك ثابت أزلا وأبدا ثبوت الحقّ ، وهذا التعيّن عارض للذهن المتصوّر. وغاية هذا التعين أن يشبه ذلك من حيث المحاكاة ، والمحاكاة (١) إنّما تكون بحسب تصوّر المحاكي ، وقوّته وذهنه ليس بحسب ما هي الحقائق المتصوّرة في نفسها بالنسبة إلى تعيّنها في نفس الحقّ ، فليس أحد من الخلق بمدرك لها من حيث هي كما هي ، ولا للوجود ولا لذات الحقّ من حيث إطلاقها عن أحكام النسب والإضافات.
ولا نشكّ (٢) أنّ ثمّة إدراكا أو إدراكات لمدرك أو مدركين يتعلّق بمدرك أو مدركات ، فما الذي أدرك؟ ومن المدرك له؟ وليس ثمّة إلّا ما ذكرنا وبيّنّا أنّه يتعذّر إدراكه كما هو. إن كان متعلّق الإدراك النسب مع أنّها أمور عدميّة يلزم أن يكون المدرك لها وما أدرك به مثلها ؛ لأنّ الشيء لا يدرك بغيره من حيث ما يغايره ، ولا يؤثّر فيه ما يباينه من الوجه المباين هذا ما لا تردّد فيه عند الكمّل ولا دفاع له ، ولا ثمّة (٣) ـ كما مرّ ـ إلّا وجود واحد تفرّع منه ما أضيف إليه ممّا يسمّى صفات وأحوالا ولوازم.
__________________
(١) ه : والحاكاة.
(٢) ق : يشكّ.
(٣) ق : وما ثمّ.