وكلّها معان بسيطة لا تقوم بنفسها ، ولا يظهر حكمها إلّا بالوجود ، والوجود شرط لا مؤثّر ومع كونه كذلك فلا يتعيّن بنفسه فيدرك ، ولو تعيّن من كان مدركه إذا كان ما سواه لا وجود له إلّا به وهو غير متعيّن بنفسه ، بل لا بدّ له من أمر يظهر به ويكون مرآته ، ووظيفته ـ أعني الوجود ـ الإظهار لا غير ، والإظهار له هو من كونه نورا ، والنور [يدرك به ولا] (١) يدرك هو ، فلا يستقلّ بالظهور ، فكيف بالإظهار ؛ لأنّ الإظهار موقوف على اجتماع واقع بين النور وما يقبله ، ويظهر بظهوره إمّا لمعنى يعبّر عنه بالاشتعال ، أو المحاذاة والانطباع ، فهو حينئذ موقوف على نسبة الجمع ، والجمع أيضا نسبة أو حال كيف قلت ، فكيف يتحصّل من مجموع ما لا يقوم بنفسه ولا يستقلّ ولا يثبت ما يقوم بنفسه ويحكم بثبوته (٢)؟!
وكيف ينقسم ما لا يقوم بنفسه [لذاته أوّلا في ثاني الحال إلى ما يقوم بنفسه ويكون مرئيّا ، وإلى ما يقوم بنفسه وبغيره ويسمّى رائيا ، وإلى ما لا يقوم بنفسه] (٣) ، كالأمر في الأوّل ، وهو بعينه عين كلّ قسم من الأقسام المذكورة ، فيرى لا يرى ، ويرى لا يرى ، وينقسم لا ينقسم ، ويستقلّ لا يستقل ، ويجتمع مع أنّه لا يتعدّد ولا يتغيّر ، ويظهر بالجمع الذي لا وجود لعينه مع استحالة ظهوره بنفسه ، ومع كون الجمع صفته الذاتيّة فالجمع حالة واحدة ، والاجتماعات بحكم الجمع أحوال لعين واحدة ، والوحدة لا تتصوّر إلّا بمقابلها وهو معنى الكثرة ولا كثرة ؛ إذ ليس ثمّة إلّا أمر واحد متنوع ، فأين الجمع ، والوحدة ليست ثمّة أيضا إلّا بالتقدير ؛ فإنّ المدرك هو الكثير ، والمميّز عن الكثرة حال طلب التميّز والحكم به غير متميّز ، بل مقدّر له التميّز بالفرض ، وبالنسبة إلى تشخّصه في بعض الأذهان ، وأمّا هل هو في نفسه مع قطع النظر عن هذا الفرض وهذا التشخّص على نحو ما قدّر له وحكم به عليه أولا؟ حديث آخر ، بل الأمر في نفسه جزما ليس كذلك ؛ لأنّ هذه الأحكام كلّها طارئة ، والذي يقتضيه المحكوم عليه لذاته ثابت له أزلا من نفسه لا لموجب (٤).
ثم إنّ هذه الأحكام كلّها والأحوال تابعة لإنّيّة كلّ مدرك من المدركين بالنسبة إلى مداركه ومشاعره ، فالشيء لم يدرك على ما هو عليه أصلا ولا اهتدى إليه.
__________________
(١) ما بين المعقوفين غير موجود في ق.
(٢) ه : ثبوته.
(٣) ما بين المعقوفين غير موجود في ق.
(٤) ق : بموجب.