واستحضار قوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) (١) ، هو بخصوصيّة حكم مقام أحدية الجمع المتنزّه عن التقيّدات (٢) بوصف وحال معيّن من خلافة ونيابة وغيرهما ، لاستيعابه كلّ حال ومقام ووصف ، واشتماله وقبوله كلّ حكم واسم وفعل (٣) وحرف. ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل.
(كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٤)
ثم نقول : المسمّيات موجودات هي ـ كما ذكر لك ـ تعيّنات شؤونه سبحانه وهو ذو الشؤون ، فحقائق الأسماء ، والأعيان عين شؤونه التي لم تتميّز (٥) عنه إلّا بمجرّد تعيّنها منه ، من حيث هو غير متعيّن. والوجود المنسوب إليها عبارة عن تلبّس شؤونه بوجوده ، وتعدّدها واختلافها عبارة عن خصوصياته المستجنّة في غيب هويّته ، ولا موجب لتلك الخصوصيّات ؛ لأنّها غير مجعولة ، ولا يظهر تعدّدها إلّا بتنوّعات ظهوره ، لأنّ (٦) تنوّعات ظهور ذاته في كلّ منها هو المظهر لأعيانها ؛ ليعرف البعض منها من حيث تميّزه البعض ومن أيّ وجه يتّحد (٧) فلا يغايره (٨) ، ومن أيّه يتميّز (٩) فيسمّى غيرا وسوى ، وإن شئت فقل : كان ذلك ليشهد هو خصوصيّات ذاته في كلّ شأن من شؤونه.
ومثال هذا التقلّب في الشؤون ـ ولله المثل الأعلى ـ : تقلّب الواحد في مراتب الأعداد ؛ لإظهار أعيانها ، ولإظهار عينه من حيثها ، فأوجد الواحد العدد ، وفصّل العدد الواحد ، بمعنى أنّ ظهوره في كلّ مرتبة ـ ممّا نسمّيه في حقّ الحقّ شأنا كما أخبر عن نفسه سبحانه ـ يخالف ظهوره في المرتبة الأخرى ، ويتبع كلّ ظهور من حيثيّة كلّ شأن من الأسماء والأوصاف والأحوال والأحكام بمقدار سعة دائرة ذلك الشأن وتقدّمه على غيره من الشؤون.
وكلّ ما يرى ويدرك ـ بأيّ نوع كان من أنواع الإدراك ـ فهو حقّ ظاهر بحسب شأن من
__________________
(١) النساء (٤) الآية ٥٨.
(٢) ق : التقيّد.
(٣) ق : وحرف وفعل.
(٤) القصص (٢٨) الآية ٨٨.
(٥) ق : تميّز.
(٦) في بعض النسخ : لا تنوّعات ظهور ذاته أو ظهوراته.
(٧) ه : تتّحد.
(٨) ه : تغايره.
(٩) ه : تتميّز.