فإنّ من جملة فقه النفوس أنّه متى عرفت شيئا من هذا النوع من حيث فرعيّته قبل التحقّق بمعرفة أصله ، سقطت عظمة ذلك الأمر عندها ، وازدرته بعد ذلك ، وربما قاست بقيّة ما سمعته من أسرار الحقّ بصفة التعظيم على ما تنبّهت (١) له ، فتفتر بالكلّيّة وتهلك ، بل ربما تقف عند الفترة ، وربما عادت مستحقرة شعائر الله سبحانه ، مستخفّة بحرماته ، بخلاف من (٢) سمعها بسمع الإيمان الظاهر ، واستحضرها بصفة التعظيم إلى أن يطلعه الحقّ عليها ، فيعرفها من أصلها ، فيعظّمها أكثر من تعظيم المؤمن المحجوب بما لا نسبة (٣) ، فإنّ هذا التعظيم نتيجة العلم الذي لا يزول ، والتعظيم الأوّل تعظيم وهمي بصدد الزوال ، فكان الشارع ومن تحقّق بتبعيّته ، (٤) وشاركه في أصل مأخذه لو صرّح بمثل هذا كان سببا في شقاء المستحقر المزدري ، وحاشا من بعث رحمة للعالمين أن يكون كذلك.
وأصحاب الآفة المذكورة هم أصحاب الفطرة (٥) البتراء ، واللوائح الأولى الذين لم يبقوا (٦) على طهارة الإيمان الصحيح ، ولا فازوا بحقيقة الشهود الذاتي والكشف الصريح ، فإنّ أهل الكشف المحقّق والشهود يعظّمون الأشياء ، ويرونها شعائر الحقّ ومظاهره وصور أسمائه ، والمضطرّين (٧) وقفوا عند أسماء الأسماء لم يعرفوا حقائق الأسماء ولا المسمّى بها ، فتعظيمهم (٨) وسمي وهمي يزيله الحسّ وفقه النفس فاعتبر الشارع صلىاللهعليهوآله ما ذكرنا امدادا للهمم ، وتحريضا على طلب المزيد بالتشويق المدرج فيما ذكرنا ، وليعلم الألبّاء كمال قوّته في التبليغ حيث لم يكتم ولم يوضح ، بل عبّر عن الأسرار بعبارة تامّة مؤدّية للمقصود بيانه بالنسبة إلى الفطن اللبيب والتسمية (٩) المطابقة مع السلامة من بشاعة التصريح ، وآفاته وعدم تفطّن الغبيّ المراد ، فجمع بين الكشف والكتم ؛ ليرتقي الضعيف النفس بالتشويق إلى حضرة القدس ، وليزداد اللبيب استبصارا ، فجزاه الله وإخوانه عنّا وعن سائر المسترشدين أفضل الجزاء ، آمين.
__________________
(١) ق : نبّهت.
(٢) ه : ما.
(٣) لعل هنا سقطا.
(٤) ه : تبعيّته.
(٥) ق : الفطنة.
(٦) ق : لم يتّفقوا.
(٧) عطف على اسم إنّ.
(٨) ق : تعظمهم.
(٩) عطف على «عبارة».