للمناسبة بين الملتجلّي والمتجلّى له ، حتى يصحّ الارتباط الذي يتوقّف عليه الأثر ، فإنّ لكلّ تجلّ في كلّ متجلّى له حكما وأثرا وصورة لا محالة أوّلها الحال الشهودي الذي يتضمّنه العلم الذوقي المحقّق ، هذا مع أنّ نفس التجلّي من حيث تعيّنه وظهوره من الغيب المطلق الذاتي هو تأثير (١) إلهي متعيّن من حضرة الذات في مرتبة المتجلّى له إذ هو المعيّن والمخصّص ، فافهم.
والأثر من كلّ مؤثّر في كلّ مؤثّر فيه ، لا يصحّ بدون الارتباط ، والارتباط لا يكون إلّا بمناسبة ، والمناسبة نسبة معنويّة لا تعقل إلّا بين المتناسبين. (٢) ولا خلاف بين سائر المحقّقين من أهل الشرائع والأذواق والعقول السليمة [في] (٣) أنّ حقيقة الحقّ سبحانه مجهولة ، لا يحيط بها علم أحد سواه ؛ لعدم المناسبة بين الحقّ من حيث ذاته وبين خلقه ؛ إذ لو ثبت المناسبة من وجه ، لكان الحقّ من ذلك الوجه مشابها للخلق ، مع امتيازه عنهم بما عدا ذلك الوجه وما به الاشتراك غير ما به الامتياز ، فيلزم التركيب المؤذن بالفقر والإمكان المنافي للغنى والأحديّة ، ولكان الخلق أيضا ـ مع كونه ممكنا بالذات ومخلوقا ـ مماثلا للحقّ من وجه ؛ لأنّ من ماثل شيئا فقد ماثله ذلك الشيء ، والحقّ الواحد الغنيّ الذي (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (٤) يتعالى عن كلّ هذا وسواه ممّا لا يليق به.
ومع صحّة ما ذكرنا من الأمر المتّفق عليه ، فإنّ تأثير الحقّ في الخلق غير مشكوك فيه فأشكل الجمع بين الأمرين ، وعزّ الاطّلاع المحقّق على الأمر الكاشف لهذا السرّ ، مع أنّ جمهور الناس يظنّون أنّه في غاية الجلاء والوضوح وليس كذلك وأنا ألمع لك ببعض أسراره ـ إن شاء الله تعالى ـ فأقول :
سرّ الجهل بحقيقة الله تعالى
فأقول : إذا شاء الحقّ ـ سبحانه وتعالى ـ أن يطّلع على هذا الأمر بعض عباده عرّفهم أوّلا بسرّ نعت ذاته الغنيّة عن العالمين بالألوهيّة وما يتبعها من الأسماء والصفات والنعوت ثم
__________________
(١) ق : تأثر.
(٢) ق : المناسبين.
(٣) ق : السليمة شرائع.
(٤) الشورى (٤٢) الآية ١١٠.