الحقيقة للمراتب المحكمة (١) بالتأثير في سائر الموجودات الأثر مخصوص بها ، وعلوّ درجة المؤثّر على درجة المؤثّر فيه معلوم.
فالغمام هو الحكم العمائيّ المنبّه عليه في التعريفات النبويّة والإلهيّة وقد أشرت إلى أنّه النفس الرحماني وحضرة الجمع ، وأنّه النور الكاشف للموجودات والمحيط بها والمظهر بفتحه ، وانشقاقه تميّزها العلمي (٢) الأزلي ، ولذلك أخبر سبحانه عن نفسه ، وحكم في آخر الأمر يوم القيامة بقوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) (٣) الآية. فيفصّل بين الأمور ، ويميّز الخبيث من الطيّب ، فظهر في الخاتمة سرّ السابقة الأولى ، وتمّت المضاهاة المظهرة حكم الأمر الجامع بين الأوّل والآخر (٤) ، والظاهر والباطن ، فافهم.
لا حلول ولا اتّحاد
ثم نقول : ولا شكّ أنّ مرتبة هذا العبد المشار إليه وأمثاله من جملة المراتب الداخلة تحت الحيطة العمائيّة المذكورة ، فيظهر بما قلنا تميّز مرتبته من حيث نسبته العدميّة وظلمته الإمكانيّة ، من مرتبة موجده برجوع الحكم الوجودي المستعار إلى الحقّ الذي هو الوجود البحت والنور الخالص (٥) (وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ) التي هي مظاهر الأسماء حاملة للرسالات الذاتيّة في المنازل التي لها في مقام هذا العبد الجامع الحائز من حيث كونه نسخة ومرآة تامّة صورة حضرة ربّه حين تقديس ربّه إيّاه عن الظلمات البشريّة والأحكام الكونيّة.
فإذا استقرّت الأسماء في المنازل المذكورة ، ـ وذلك بانقلاب صفاته وقواه أسماء وصفات إلهيّة كما اومأت إليه ـ ترتّب حينئذ حكم الآية التي تلي هذه الآيات وهي قوله تعالى : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ) (٦) الساترين ـ كما قلنا ـ بكثرتهم أحكام الأحديّة (عَسِيراً) فإنّه يعسر على الشيء ذهاب عينه ، ويعسر على السالك صاحب هذا الحال قبل التحقّق بالمقام المذكور الانسلاخ والتخلّي ممّا (٧) قلناه أشدّ العسر و
__________________
(١) ق : المتحكّمة.
(٢) ق ، ه : العلمي الغيبي.
(٣) البقرة (٢) الآية ٢١٠.
(٤) ق ، ه : الآخر والباطن.
(٥) ق : الخاص.
(٦) الفرقان (٢٥) الآية ٢٦.
(٧) ق : ما.