العلم المتعلّق بالحق أو بأسمائه وصفاته ، التي هي وسائط بين ذاته الغيبيّة (١) وبين خلقه.
فإذا تحقّقت ما أشرت إليه ونبّهت عليه في هذا التمهيد عرفت أنّ العلم الصحيح ـ الذي هو النور الكاشف للأشياء عند المحقّقين من أهل الله وخاصّته ـ عبارة عن تجلّ إلهي في حضرة نور ذاته ، وقبول المتجلّى له ذلك العلم هو بصفة وحدته بعد (٢) سقوط أحكام نسب الكثرة والاعتبارات الكونيّة عنه كما مرّ ، وعلى نحو ما يرد (٣) ذلك بحكم عينه الثابتة في علم ربّه أزلا من الوجه الذي لا واسطة بينه وبين موجده ؛ لأنّه في حضرة علمه ما برح ، كما سنشير إليه في مراتب التصوّرات إن شاء الله تعالى.
وسرّ العلم هو معرفة وحدته في مرتبة الغيب ، فيطّلع المشاهد ـ الموصوف بالعلم بعد المشاهدة بنور ربّه ـ على العلم و (٤) مرتبة (٥) وحدته بصفة وحدة أيضا كما مرّ ، فيدرك بهذا التجلّي النوري العلمي من الحقائق المجرّدة ما شاء الحقّ سبحانه أن يريه منها ممّا هي في مرتبته أو تحت حيطته.
ولا ينقسم العلم في هذا المشهد إلى تصوّر وتصديق كما هو عند الجمهور ، بل (٦) تصوّر فقط ؛ فإنّه يدرك به حقيقة التصوّر والمتصوّر (٧) والإسناد ، والسبق والمسبوقية وسائر الحقائق مجرّدة في آن واحد بشهود واحد غير مكيّف وصفة وحدانيّة. ولا تفاوت حينئذ بين التصوّر والتصديق ، فإذا عاد إلى عالم التركيب والتخطيط وحضر مع أحكام هذا الموطن يستحضر تقدّم التصوّر على التصديق عند الناس بالنسبة إلى التعقّل الذهني ، بخلاف الأمر في حضرة العلم البسيط المجرّد (٨) ، فإنّه إنّما يدرك هناك حقائق الأشياء ، فيرى أحكامها وصفاتها أيضا (٩) ـ كهي ـ مجاورة لها ومماثلة.
ولمّا كان الإنسان وكلّ موصوف بالعلم من الحقائق (١٠) ، لا يمكنه أن يقبل لتقيّده (١١) بما بيّنّاه في هذا التمهيد إلّا أمرا مقيّدا متميّزا عنده ، صار التجلّي الإلهي ـ وإن لم يكن من عالم
__________________
(١) ق : الغنية.
(٢) ق : قبل للمتن.
(٣) ق : مرّ و.
(٤) ق : في.
(٥) ب : العارف في مرتبة.
(٦) ق : بل هو.
(٧) ب : المتصورات.
(٨) ق : المجردة.
(٩) ق : أيضا حقائق.
(١٠) ق : الحق.
(١١). ه : لتقييده.